، هذه الآيةُ بلا خلافٍ أنها نزلَتْ عتاباً على تخلّف من تخلّف عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تَبُوكَ، وكانَتْ سنةَ تسْعٍ من الهجرةِ بعد/ الفَتْح بعامٍ، غزا فيها الرُّوم في عِشْرينَ ألْفاً بين راكبٍ وراجلٍ، والنَّفْر: هو التنقُّل بسرعة من مكانٍ إلى مكانٍ، وقوله:«أثاقلتم» أصله تَثَاقَلْتُمْ، وكذلك قرأ الأعمش «١» وهو نحو قوله: أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ [الأعراف:
قَالَ ابنُ هِشامٍ ف «مِنْ» من قوله: مِنَ الْآخِرَةِ للبدل. انتهى. ثم أخبر سبحانه، أنَّ الدنيا بالإِضافة إِلى الآخرة قليلٌ نَزْرٌ، فتعطي قُوةُ الكلام التعجُّبَ مِنْ ضلالِ مَنْ يرضَى النزْرَ الفانِيَ بَدَل الكثير الباقي.
ت: وفي «صحيح مُسْلم» و «الترمذي» ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:«مَا الدُّنْيَا في الآخرة إِلاَّ مَثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ في اليَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَاذَا تَرْجعٌ» . قال أبو عيسَى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. انتهى «٢» .
وقوله سبحانه: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ: شرطٌ وجوابٌ، ولفظُ «العذاب» عامٌّ يدخل تحته أنواعُ عذابِ الدنيا والآخرة.
وقوله: وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ: تَوعُّدٌ بأن يبدل لرسوله عليه السلام قوماً لا يقعدون عند استنفاره إِياهم، والضميرُ في قوله: وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً عائدٌ على اللَّه عزَّ وجلَّ، ويحتمل أن يعود على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو أليق.
(١) ينظر: «الشواذ» ص: (٥٧) ، و «الكشاف» (٢/ ٢٧١) ، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٤) و «البحر المحيط» (٥/ ٤٣) ، و «الدر المصون» (٣/ ٤٦٤) ، و «التخريجات النحوية» (٣٥٦) . (٢) أخرجه مسلم (٤/ ٢١٩٣) كتاب «الجنة» باب: فناء الدنيا، حديث (٥٥/ ٢٨٥٨) ، والترمذي (٤/ ٤٨٦) كتاب «الزهد» باب: هوان الدنيا، حديث (٢٣٢٣) ، وابن ماجه (٢/ ١٣٧٦) كتاب «الزهد» باب: مثل الدنيا، حديث (٤١٠٨) ، وأحمد (٤/ ٢٢٨، ٢٣٠) ، وابن حبان (٤٣٣٠) ، والحاكم (٤/ ٣١٩) من طريق قيس بن أبي حازم، عن المستورد بن شداد به.