في نفسه، واسْتَوى: قال قومٌ: معناه: علا دون كَيْفٍ، ولا تحديدٍ، هذا اختيار الطبريِّ، والتقديرُ: علا أمره وقدرته وسلطانه، وقال ابن كَيْسَان: معناه: قصد إلى السماء.
ع «١» : أي: بخلقه، واختراعه، والقاعدةُ في هذه الآية ونحوها منع النّقْلَة وحلولِ الحوادث، ويبقى استواء القدرة والسلطان.
وفَسَوَّاهُنَّ: قيل: جعلهن سواءً، وقيل: سوى سطوحَهُنَّ بالإملاس، وقال الثعلبيُّ «٢» : فَسَوَّاهُنَّ، أي: خلقهن. انتهى. وهذه الآية تقتضي أن الأرض وما فيها خُلِقَ قبل السماء، وذلك صحيحٌ، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء، وبهذا تتفق معاني الآيات هذه والتي في سورة «المُؤْمِنِ» ، وفي «النازعات» .
وقوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً: «إِذْ» ليست بزائدةٍ عند الجمهور، وإِنما هي معلَّقة بفعل مقدَّر، تقديره: واذكر إِذ قال، وإِضافةُ «رَبٍّ» إِلى محمد صلّى الله عليه وسلم، ومخاطبتُهُ بالكاف- تشريفٌ منه سبحانه لنبيِّه، وإِظهار لاِختصاصه به، و «الملائكةُ» : واحدها ملَكٌ، والهاء في «ملائكة» لتأنيث الجُموعِ غير حقيقيٍّ، وقيل: هي للمبالغة كعلّامة ونسّابة، والأول أبين.
وجاعِلٌ في هذه الآية بمعنى خَالِقٍ، وقال الحسن وقتادة: جاعلٌ بمعنى فاعل «٣» ، وقال ابن سابط «٤» عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «إِنَّ الأَرْضَ هُنَا هِيَ مَكَّةُ لأَنَّ الأَرْضَ دحيت
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١١٥) . (٢) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق النيسابوري الثعلبي. كان إماما كبيرا، حافظا للغة بارعا في العربية، روى عن أبي طاهر بن خزيمة، وأبي محمد المخلدي. أخذ عنه الواحدي. له: «العرائس في قصص الأنبياء» وكتاب «ربيع المذكرين» . توفي (٤٢٧ هـ.) . ينظر ترجمته في: «بغية الوعاة» (١/ ٣٥٦) ، و «النجوم الزاهرة» (٤/ ٢٨٣) ، و «طبقات المفسرين» للداوودي (١/ ٦٦) . (٣) أخرجه الطبري (١/ ٢٣٥) برقم (٥٩٧) ، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٩٣) ، عن الحسن، وعزاه لابن جرير. (٤) عبد الرحمن بن سابط القرشي، الجمحي، المكي، عن عمر، ومعاذ مرسلا، وعن عائشة بواسطة، في-