وقوله: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ، أي: فليشهدْ أو فليكُنْ رجُلٌ وامرأتان.
وقوله تعالى: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ: رفعٌ في موضع الصفةِ لقوله: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ، وهذا الخطاب لجميع الناس، المتلبِّس بهذه القصَّة هم الحُكَّام، وهذا كثيرٌ في كتاب اللَّه يعمُّ الخطابُ فيما يتلبَّس به البعْض.
وفي قوله: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ: دليلٌ على أنَّ في الشهود من لا يرضى فيجيء من ذلك، أنَّ الناس ليسوا بمحمولِينَ عَلَى العَدَالة حتى تَثْبُتَ لهم.
وقوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما ... الآيةَ:«أنْ» مفعولٌ من أجله، والشهادة لم تقع لأَنْ تَضِلَّ إحْدَاهما، وإِنما وقع إِشهاد امرأتين لأنّ تُذَكِّر إِحداهما، إِنْ ضلَّت الأخرى، قال سيبوَيْهِ، وهذا كما تقول: أعْدَدتُّ هذه الخَشَبَةَ أنْ يميلَ الحَائِطُ، فأدعمه.
ع «١» : ولما كانتِ النفوسُ مستشرفةً إِلى معرفة أسباب الحوادِثِ، قدم في هذه العبارة ذكْرَ سبب الأمر المقْصُود إلى أنْ يخبر به، وهذا مِنْ أبْرَعِ الفَصَاحَةِ إِذ لو قال لكَ رجل: أعدت هذه الخشبةَ أنْ أدعم بها هذا الحائطَ، لقال السامعُ: ولِمَ تدعم حائطاً قائماً، فيجب ذكر السبب، فيقال: إِذا مَالَ، فجاء في كلامِهِمْ تقديمُ السَّبَبِ أخْصَرَ من هذه المحاورة، قال أبو عبيد: ومعنى: تَضِلَّ تنسى «٢» .
ع «٣» : والضَّلال عن الشهادة: إِنما هو نسيانُ جزءٍ منها، وذكْرُ جزء، ويبقَى المرء بَيْن ذلك حيرانَ ضَالاًّ.
وقوله تعالى: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا ... الآية: قال قتادة وغيره: معنى الآيةِ: إِذا دُعُوا أنْ يشهدوا «٤» ، وقال الحسن بن أبي الحسن: الآيةُ جمعت أمرَيْن: لا تأب إِذا دُعِيتَ إلى تحصيل الشهادةِ، ولا إِذا دُعِيتَ إِلى أدائها «٥» وقاله ابن عباس «٦» ، وقال
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٣٨٢) . (٢) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٨٣) . (٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٣٨٢) . (٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ١٢٦) برقم (٦٣٦٦) بنحوه، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٨٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٦٥٧) بنحوه، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة. (٥) أخرجه الطبري (٣/ ١٢٧) برقم (٦٣٦٩) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١/ ٣٥٧) ، وابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٨٣) . (٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ١٢٧) برقم (٦٣٧٠) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١/ ٣٥٧) .