ع «١» : ثم تتناول الآيةُ كلَّ مَنْ دخل تحْتَ صفة الفَقْر غابِرَ الدَّهْر، ثم بيَّن اللَّه سبحانه من أحْوَالِ أولئك الفقراءِ المهاجِرِينَ ما يُوجِبُ الحُنُوَّ عليهم بقوله: الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، والمعنى: حُبِسُوا، ومُنِعُوا، وتأوَّل الطبريّ «٢» في هذه الآية أنهم هم حاسبوا أَنُفُسِهِمْ بِرِبْقَة الدِّيْن، وقصد الجهاد، وخَوْفِ العَدُوِّ، إِذ أحاط بهم الكُفْر، فصار خوف العدو عذْراً أحْصِروا به.
ع «٣» : كأنَّ هذه الأعذار أحصرتْهم، فالعدُوُّ وكلُّ محيطٍ يحصر، وقوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ يحتملُ الجهادَ، ويحتمل الدخولَ في الإِسلام، والضَّرْبُ في الأرض: هو التصرُّف في التجارة، وكانُوا لا يستطيعونَ ضَرْباً في الأرض لكون البلادِ كلِّها كفْراً مطبقاً، وهذا في صدْر الهجْرة، وكانوا- رضي اللَّه عنهم- من الانقباض، وترْكِ المسألةِ، والتوكُّلِ على اللَّه تعالى بحيث يحسبهم الجاهلُ بباطنِ أحوالهم أغنياءَ.
ت: واعلم أنَّ المواساة واجبةٌ، وقد خرَّج مسلمٌ وأبو داود عن أبي سعيدٍ الخدري، قال:«بينما نحن في سفر، مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ على راحِلَةٍ، فَجَعَلَ يَصْرِفُ بصره يمينا وشمالا، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ على مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ على مَنْ لاَ زَادَ لَهُ» ، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَ حتى رُئِينَا أنَّهُ لاَ حقّ لأحد منّا في فضل «٤» انتهى.
والتَّعَفُّفِ: تفعُّلٌ، وهو بناءُ مبالغةٍ من: عَفَّ عن الشيْءِ، إِذا أمْسَك عنْه، وتنزَّه عن طَلَبه، وبهذا المعنى فسره قتادةُ وغيره.
ت: مَدَح اللَّه سبحانه هؤُلاءِ السَّادَةَ على ما أعطاهم من غنى النفْسِ، وفي الحديثِ الصحيحِ:«لَيْسَ الغنى عَنْ كَثْرَةِ المَالِ، وَإِنَّمَا الغنى غِنَى النّفس»«٥» وقد صحّ
(١) ينظر: «المحرر» (١/ ٣٦٨) . (٢) ينظر: «الطبري» (٣/ ٩٧) . (٣) ينظر: «المحرر» (١/ ٣٦٨) . (٤) أخرجه مسلم (٣/ ١٣٥٤) كتاب «اللقطة» ، باب استحباب المواساة بفضول المال، حديث (١٧٢٨) ، وأبو داود (١/ ٥٢٢) كتاب «الزكاة» ، باب في حقوق المال، حديث (١٦٦٣) ، وأحمد (٣/ ٣٤) ، وأبو يعلى (٢/ ٣٢٦) رقم (١٠٦٤) كلهم من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري به. (٥) أخرجه البخاري (١١/ ٢٧٦) ، كتاب «الرقاق» ، باب الغنى غنى النفس، حديث (٦٤٤٦) ، ومسلم (٢/ ٧٢٦) كتاب «الزكاة» ، باب ليس الغنى عن كثرة العرض، حديث (١٢٠/ ١٠٥١) ، والترمذي (٤/ ٥٠٦- ٥٠٧) كتاب «الزهد» ، باب ما جاء أن الغنى غنى النفس، حديث (٢٣٧٣) ، وابن ماجه (٢/ ١٣٤٨٦) : -