وقوله تعالى: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ ... الآية: خطابٌ من الله تعالى للكفرة، أخبرهم أنَّ مَعْبُودَاتِهم كذبتهم، وفي هذا الإخبار خِزْيٌ وتَوْبِيخٌ لهم، وقرأ حفص عن عاصم:«فَمَا تَسْتَطِيعُونَ» - بالتاء من فوق- قال مجاهد «١» : الضمير في «يستطيعون» هو للمشركين، وصَرْفاً معناه رَدُّ التكذيب أو العذاب.
وقوله تعالى: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ قيل: هو خطاب للكُفَّارِ، وقيل: للمؤمنين، والظلم هنا: الشِّرْكُ، قاله الحسن «٢» وغيره، وقد يحتمل أنْ يعم غيرَه من المعاصي، وفي حرف أُبَيِّ:«وَمَنْ يَكْذِبْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً» .
وقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ... الآية: رَدٌّ على قريش في قولهم: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ثم أخبر عز وجل أَنَّ السبب في ذلك أَنَّه جعل بعض عَبيدَهُ فتنةً لبعض على العموم في جميع الناس مؤمن وكافر، والتوقيف ب أَتَصْبِرُونَ خَاصٌّ بالمُؤمنين المحققين، قال ابن العربي في «الأحكام»«٣» :
ولما كثر الباطل في الأسواق، وظهرت فيه المناكر- كَرِهَ علماؤُنا دخولَها لأرباب الفضل والمُقْتَدَى يهم في الدِّينِ تنزيهاً لهم عن البقاع التي يُعْصَى الله تعالى فيها، انتهى. ثم أعرب قوله تعالى: وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً عن الوعد للصابرين والوعيد للعاصين، وعن عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب- رضي اللَّه عنه- أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قَالَ:«مَنْ دَخَلَ السُّوقَ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه وَحْده، لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفَ دَرَجَةٍ»«٤» ، رواه الترمذيُّ وابن ماجه، وهذا لفظ الترمذي، وزاد في رواية أخرى:«وَبَنَى لَهُ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ» ، ورواه الحاكم في «المستدرك» من عدة طرق، انتهى من «السلاح» .
(١) أخرجه الطبريّ (٩/ ٣٧٥) برقم (٢٦٣٠٧، ٢٦٣٠٨) ، وذكره ابن عطية (٤/ ٢٠٤) ، والسيوطي (٥/ ١١٩) ، وعزاه للفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد. (٢) أخرجه الطبريّ (٩/ ٣٧٦) برقم (٢٦٣١٢) عن الحسن، و (٣٦٣١١) عن ابن جريج. وذكره ابن عطية (٤/ ٢٠٤) ، والسيوطي (٥/ ١١٩) ، وعزاه لعبد الرزاق عن الحسن. (٣) ينظر: «أحكام القرآن» (٣/ ١٤١٤) . (٤) تقدم تخريجه في سورة آل عمران. [.....]