قرأ الجمهور «١» : «أَمَرْنَا» على صيغة الماضي، وعن نافع وابن كثير، في بعض ما رُوِيَ عنهما:«آمَرْنَا» بمد الهمزة بمعنى كَثَّرنا، وقرأ أبو عمرو بخلاف عنه:«أَمَّرْنَا» بتشديد الميم، وهي قراءة أبي عثمان النَّهْديِّ، وأبي العاليةِ وابن عبَّاسِ، ورُوِيَتْ عن علي، قال الطبري «٢» القراءة الأولى معناها:
أمرناهم بالطَّاعة، فعصَوْا وفَسَقُوا فيها، وهو قولُ ابن عباس «٣» وابنِ جبير، والثانية: معناها:
كَثَّرناهم، والثالثة: هي من الإِمارَةِ، أي ملَّكناهم على الناس، قال الثعلبي: واختار أبو عُبَيْد وأبو حاتمٍ قراءة الجمهور، قال أبو عُبَيْد: وإِنما اخترْتُ هذه القراءة، لأنَّ المعاني الثلاثةَ مجتمعةٌ فيها، وهي معنى الأمْرِ والإِمارة والكثرة انتهى.
ت: وعبارة ابن العربي «٤» : أَمَرْنا مُتْرَفِيها
يعني بالطاعة، ففسقوا بالمخالَفَة انتهى من كلامه على الأفعال الواقعة في القرآن، «والمترف» : الغنيُّ من المالِ المتنعِّم، والتُّرْفَةُ: النِّعمة، وفي مُصْحف أبيِّ بن كعب:«قَرْيَةً بَعَثْنَا أكابِرَ مُجْرِمِيها فَمَكَرُوا فيها» .
وقوله سبحانه: فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
، أي: وعيدُ اللَّه لها الذي قاله رسولهم، «والتدميرُ» الإِهلاك مع طَمْس الآثار وهَدْمِ البناء.
وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ ... الآية: مثال لقريشٍ ووعيدٌ لهم، أي: لستم ببعيد مما حصلوا فيه إِن كذبتم، واختلف في القرن، وقد روى محمَّد بن القاسم في خَتْنِهِ «٥» عَبْد اللَّه بن بُسْر، قال: وضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَدَهُ على رأسه، وقال:«سَيَعِيشُ هَذَا الغُلاَمُ قرنا»
(١) ينظر: اختلاف القراء في هذا الحرف في: «السبعة» (٣٧٩) ، و «الحجة» (٥/ ٩١) ، و «معاني القراءات» (٢/ ٨٩) ، و «شرح الطيبة» (٤/ ٤٢٦) ، و «إتحاف» (٢/ ١٩٥) ، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٤٤٤) ، و «البحر المحيط» (٦/ ١٧) ، و «الدر المصون» (٤/ ٣٧٩) ، و «المحتسب» (٢/ ١٥) . (٢) ينظر: «الطبري» (٨/ ٥١) . (٣) أخرجه الطبري (٨/ ٥١) برقم: (٢٢١٥٠) ، وذكره ابن عطية (٣/ ٤٤٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣/ ٣٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٣٠٧) ، وعزاه لابن جرير. (٤) ينظر: «أحكام القرآن» (٣/ ١١٩٦) . (٥) في الحديث: علي ختن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أي زوج ابنته. ينظر: «لسان العرب» (ختن) .