للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا من عكس.

وتقرير الجواب: أنَّ هذا السؤال صادر عن توهم أنَّ المعنى بـ ﴿إِلَهَهُ﴾ الإله الحق، وما المعنى به إلا الصنم الذي اعتقده إلهاً واتخذه هواه، فمعبوده بالباطل متخذ هوى وغرضاً، أي: مجعول عين الهوى ونفس الغرض، واستدل على ذلك بقولهم: ﴿إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا﴾ [الفرقان: ٤٢]، فهم إنما تكلموا في آلهتهم.

وهذا جواب نفيس، وقد وقع في سورة الجاثية: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الجاثية: ٢٣]، وذكر الشيخ الإمام في تفسيرها هذا السؤال، وأجاب بـ «أنه لو قال: اتخذ هواه إلهه؛ لم يُفِدْ غير أنه أطاع هواه حتى صيره إلهه ومعبوده، وأما ﴿اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ فإنه يقتضي أنَّ الإله المعلوم الثابت في العقل والشرع كونه إلهه جعله وصيره هو هواه، فلا شيء يعبده غير الهوى، ونفى الإله حيث حصر الأمر في الهوى، ومفعولاً ﴿اتَّخَذَ﴾ يكون الأول محولاً إلى الثاني، فهذا الكافر حَوَّلَ إلهه عن الذات الواجبة إلى ذات هواه، ولو عكس لم يحصل هذا المعنى» (١)، انتهى.

وهذا جواب على أنَّ إلهه المعني به المعبود بحق، والأحسن الجواب الأول، وهو ما كان يذكره في آخر عُمره، أما تفسيره فأقدم من هذا، وقد تأملت أنا أيضاً سورة الجاثية، فوجدت قوله تعالى قبل ذلك: ﴿وَلَا يَغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئاً وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ﴾ [الجاثية: ١٠] إلى قوله بعده عنهم: ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: ٢٤] يدل على أنَّ المعنى بإلهه المعبود بباطل.


(١) انظر: فتاوى السبكي: (١/ ٧١).

<<  <   >  >>