قال لي شيخي الله وقد انتهى في التلاوة إلى «سورة الفرقان» إلى قوله تعالى: ﴿أَرَوَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَيْهُ﴾ [الفرقان: ٤٣]، يقول: سألني (٢) شيخي أبو الحسن الباجي: لِمَ لا قيل: اتخذ هواه إلهه؟ فما زلتُ مفكرًا في الجواب من أربعين سنة، حتى تلوتُ ما قبلها، وهو قوله: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ﴾ إلى قولهم: ﴿إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ وَالِهَتِنَا﴾ [الفرقان: ٤٢، ٤٣]، فعلمتُ أنَّ المراد الإله المعهود (٣) الباطل الذي عكفوا عليه وصبروا، وأشفقوا من الخروج عنه، فجعلوه هواهم (٤).
قلت: وقد تعسّر فهم سؤال الباجي وجواب الشيخ الإمام على من سألني تقريرهما، وأنا أُوَضَحُهُما فأقول: ﴿هَوَيْهُ﴾ خبر عن المبتدأ الذي هو إلَهَهُ، والخبر محطّ الفائدة، وقضيَّةُ هذا أن يكون اتخذ إلهه فجَعَلَه هواه، والذي يجعل إلهه هواه لا يكون مذموماً بل محموداً، وقد قال (٥)ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئتُ به»(٦).
فمن عمد إلى إلهه فجعله هواه وغرضه فقد أحسن، فكيف ينادى عليه بالذم؟! والمقصود إنما هو ذمُّ مَنْ اتَّخذ هواه وغَرضَهُ الفاسد فصيَّره واعتقده إلها،
(١) انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: (١٠/ ٢٧٧، ٢٧٦). (٢) في ق، س: (سألت). (٣) في ز، ص: (المعبود). (٤) انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: (١٠/ ٢٧٠). (٥) زاد في س: (النبي). (٦) رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة (١/ ١٢، رقم: ١٥).