للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا شفة ولا لهوات (١)، سبحانه عن تكييف الصفات، والمؤمنون يرونه في دار الخلود، قريب فنناجيه، لا بعيد فنناديه، إن تقرب منه العبد شبرا تقرب منه ذراعاً، وإن تقرب منه ذراعا تقرب منه باعاً، وإن أتاه يمشي أتاه هرولة.

مقدس عن صفات المخلوق، وسمات المحدث، لا كشف يُظهره، ولا حجاب يستره، ولا وزير يُدبّره، ولا مُشير يُبَصّره، ولا مكان يحصره، ولا تحييز يُقدّره، كان قبل أن يكون الأين والمكان، وهو الآن على ما عليه كان، أقرب من حبل الوريد، وأبعد من كل بعيد، لا يخفى عنه شخوص لحظة، ولا كرور لفظة، ولا ازدلاف رتْوَة (٢)، ولا انبساط خطوة.

لا تسبقه الأكوان، ولا تلحقه الأزمان، ولا تعضده (٣) الأعوان، لا تدركه الأفهام، ولا تحيط به الأوهام، ولا يدرك كنه حقيقته الأنام، ولا يأخذه المنام، ولا يسري إليه الملام، لا أول يسبقه، ولا ثاني يلحقه، ولا تحت يُقِلُّه، ولا فوق يُظلُّه، ولا قُطر يشمله، ولا زمن يعدله.

العقول عن الإحاطة بحقيقته معقولة، وأيدي المريدين إلى الأعناق مغلولة، وقلوب القاصدين لغير وجهه الكريم معلولة، ديان السماوات والأرض، فويل لديان الأرض من ديان السماء، ألا له الخلق والأمر، وإليه يرجع الأمر كله، ﴿يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: ٢٩].

يغفر ذنبًا، ويُفرّج هما، ويكشف كرباً، ويجبر كسيرا، ويُغني فقيرًا، ويفك


(١) جمع: لهاة، وهي اللحمة المشرفة على الحلق، انظر: تاج العروس: (٣٩/ ٤٩٩).
(٢) الرتوة: الخطوة، انظر: تاج العروس: (٣٨/ ١٢٣).
(٣) ضبطها في ظ ١ بالتاء والياء معا.

<<  <   >  >>