جميع ما ذكرناه في مسكوت لا يعارضه منطوق، وإن ذكرنا في بعض الأمثلة ما عارضه منطوق؛ فتلك المعارضة ليست صريحة، أما المعارض بصريح النطق فلا يخفى أنَّ المنطوق أولى، وأمر السكوت (١) محمول على الإحالة على المنطوق، أو عدم التروي فيه حالة السكوت، أو عدم تذكَّرِ المذهب في المسألة إذ ذاك.
ومن أمثلته: قال الرافعي في قصاص النفس: «الدامغة هي التي تَحْرِقُ الخريطة وتصل إلى الدماغ»، ثم قال في «باب الديات»: «وأما الدامغة الخارقة لخريطة الدماغ ففيها طريقان: ذكر الشيخ أبو حامد ومن تابعه أنه لا فرق بين أن تخرق الخريطة أو لا»(٢)، فقد عارض ما ذكره عن الشيخ أبي حامد موضعان من كلامه: ما ذكره في قصاص النفس، ثم ما ذكره في صدر كلامه هنا حيث قال:«الخارقة»، وقد يقال: قوله: «الخارقة» يُخرج كلام أبي حامد عن أن يكون مسكوتا عنه، وفي أثناء هذا الفصل يقول:«وهذا على طريقة من قال: الدامغة مُذفّفة»(٣)، وذلك يوهم أنه غير قائل به، وهو الجازم به في قصاص النفس، والحاكي فيه خلافًا هنا.
ومنها: نقل عن البوشنجي فيمن جلست نسوته الأربع صفًا، فطلق الوسطى منهنَّ = وجهين، أحدهما: لا يقع شيء؛ إذ لا وسطى لهنَّ، والثاني: يقع على
(١) في ز، ص، م، ق: (المسكوت). (٢) انظر: الشرح الكبير: (١٠/ ٢٠٨) و (١٠/ ٣٣٥). (٣) انظر: الشرح الكبير: (١٠/ ٣٣٦).