وعند وصولي إلى هذا كانت الطلبة يقرؤون علي درسا في «الكشاف» في سورة حم المؤمن، في قوله تعالى: ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ [غافر: ١٠]، ووجدتُ في تفسير الشيخ الإمام اختياره أنَّ "إذ" للتعليل، وقوله:«لم يقل أحد إنها للتعليل في هذا المكان»، ثم وجدتُ الزمخشري في هذا المكان نفسه قد حكاه، مع كثرة تتبع الوالد لكلام الزمخشري، فربما نَبا النظر (١)، أو طغى القلم.
على أنه يمكن أن يقال: إنَّ الشيخ الإمام أراد: «لم يقل أحد إنها للتعليل مجردةً عن الظرفية»، وهو غير ما قاله الزمخشري، فإنَّ الزمخشري أراد التعليل على الأعاريب كلّها، يعني مع كونها ظرفًا.
ولقد سمعتُ الشيخ الإمام يقول: حكى لي شيخنا ابن الرفعة أنه دخل على ابن دقيق العيد يوماً، وكان كثير الكتب، فوجد بين يديه فتيا، وهو يُقَلِّب الكتب ظهرًا لبطن، وقد سئم من الكشف، وأعوزه النقل، وأضجره التعب، فقال لي: الله جاء بك، ما تقول في كيت وكيت؟ فذكر له مسألةً من أوضح مسائل «التنبيه»، قال: فأمسكت طويلاً، فقال لي: ما بالك؟ فقلتُ: السائل عظيم، لا يسأل إلا عن مُشْكِلٍ، وهذه في بادئ الرأي واضحةٌ، فأنا أردد فكري في موضع الإشكال منها، فقال: لا والله، إنما هي فتيا وردت عليَّ وأعوزني النقل فيها، فقلت: هي في «التنبيه»، وقرأتُ لفظه عليه. فهذا حال ابن دقيق العيد، وهو عالم هذا القرن، وسيد عصره منقولا ومعقولاً.
وأعجب منه ابن الرّفعة نفسه، فلقد اتفق له (٢) وهو البحر المحيط
(١) كذا في ظ ١، ظ ٢، وفي بقية النسخ: (البصر). (٢) قوله: (له) ليس في ظ ١، والمثبت من سائر النسخ.