والمتجه عندي عدم ثبوت المال في الصورتين جميعاً؛ لأن في طباع أهل المروءة النفرة عن أخذ المال في مقابلة الطلاق، فليس من جاء بطلاق بعوض آتياً بخير من طلاق بلا عوض إذا كان قد وُكِّل فيه، وهذا على قولنا: الخُلع طلاق، وأما على قولنا: إنه فسخ، فلا أرتاب في عدم صحة اختلاعه؛ لأنه أتى بغير ما وُكِّل فيه، وليس كمَن وُكِّل في الاختلاع بمئة فخالع بأكثر؛ لأنَّ الموكَّل هناك مُقْدِم على تطليق بعوض، ولا كذلك ما نحن فيه، وقد ظهر بهذا كلام الشيخ الإمام.
ثم إني أقول: إنه غير مُخَمَّرٍ؛ لما فيه من الإغماض وعدم تحرير الكلام على مَحَزّ واحد، فإنَّ قوله:«فوَّت عليه الرجعة» يختص بصورة ما إذا طلقها واحدةً على ألف، وكان قد وكّل في طلاقها ثلاثًا مطلقا، وقوله: «وقول الزوج: "طلقها" ليس بعام» يختص بصورة ما إذا طلقها ثلاثًا على ألف.
ثم إنه فهم عن الرافعي في قوله:«إنَّ الطلاق قد يكون بمالٍ وقد يكون بغير مال» أنه جعله عاما، وليس في اللفظ ما يقتضي ذلك، بل هو مطلق، وبأي صورة جاء الموكّل فقد جاء به، كما أنه مُطْلَقٌ في البائن والرجعي، ثم إذا جاء بالرجعي ثبتت الرجعة؛ لأنها من لوازم المطلق المأذون فيه، وإذا جاء بالبائن ولم يكن وُكِّل إلا في أصل الطلاق لم يكن بائنا؛ لأنه زاد ما كان يمكن حصول الموكَّل فيه دونه، وقولنا:«ما كان يمكن حصول الموكَّل فيه دونه» احتراز من الرجعي.
ومنها: قال الأصحاب: إذا قالت المطلقة ثلاثا: "نكحت زوجاً آخر،
وطئني وفارقني، وانقضت عِدَّتي منه»؛ قُبِلَ قولُها عند الاحتمال، زاد الرافعي: