المجلس (٥١٩): أذكار السعي.
ثم أملى -أمتع الله المسلمين ببقائه- من حِفظه ولفظه، وأنا أسْمَعُ، فقال:
قرأت على الشيخ أبي إسحاق التنوخِيِّ ﵀، عن إسماعيل بن يوسفَ بن مكتوم، قال: أنا مُكْرَم بن أبي الصَّقر، قال: أنا حمزةُ بن محمد (١)، قال: أنا الشيخُ نصْرُ بن إبراهيم المقدِسِيُّ، قال: أنا محمد بن جعفر المِيْمَاسِي، قال: أنا محمد بن العباس بن وصيف، قال: ثنا الحَسَن بن الفرَج، قال: ثنا يحيى بن بكير، عن مالك. ح
وأخبرنا الشيخ عبد الله بن قوام، بالسند الماضي قبلُ إلى أبِي مصعب؛ أحمد بنِ أبي بكرِ الزهري، قال: أنا مالك:
عن نافع، عن عبد الله بن عُمَر ﵄، أنه كان إذا طافَ بين الصفا والمروةِ بَدَأَ بالصفا، فرقى عليه حتى يَنْظُر إلى البيت، وكان يُكبِّر ثلاثَ تكبيرَاتٍ، ويقول: «لا إلاه إلا الله وحدَهُ لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير»، وكان يصنع على المروةِ مِثلَ ذلك، فذلك إحدى وعشرون تكبيرة، وسبع تهليلات.
هذا موقوف صحيح.
أخرجه البيهقي (٢) من وجه آخر عن يحيى بن بكيْر. فوَقع لنا عاليًا.
وجاءَ بعضُه عن ابن عمر مرفوعًا:
أخبرني الإمام الحافظ أبو الفضل بن الحسين ﵀، قال: أخبرني علي بن أحمد البزاز، قال: أنا علي بن أحمد السَّعْدي، عن أبي طاهر الخشوعي، قال: أنا عبد الكريم بن حمزة، قال: أنا عبد العزيز بن أحمد، قال: ثنا أبو القاسم تمَّامُ بن أبي الحسين محمد بن عبْد الله الرَّازِيّ (٣)، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أبو علي عبدُ الله بن محمد بن علي البلخِيُّ الحافظُ -على باب ابن أيوب بالرَّيّ (٤)، سنةَ ثلاث وتسعين ومائتين-، قال: ثنا يحيى بن موسى البَلخِيُّ -المعروفُ بالخَتِّ-، قال: ثنا عبد الرزاق، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ، أنه كان يصعد على الصفا والمروة حتى يَبْدُوَ له البيتُ.
هذا حديثٌ رجاله ثقات، ورَفعُهُ مُستغرَبٌ من هذا الوجه.
أخرجه النسائي (في) (٥) «حديث مالك» عن يحيى بن موسى. وقال: «تفرَّد به عبْدُ الرزاق، ولا أُرَاهُ محفوظًا».
وأخرجه الدَّارقطنِيُّ في «غرائب مالك» عن الحسن بن رَشيق، وأبي عليٍّ الأُسْيُوطيِّ، وابنِ حَيُّوْيَةَ، ثلاثتهم عن النسائي. وقال: «تفرَّد به النسائِيُّ، والصَّوابُ موقوفٌ».
قلت: لم ينفرد به النسائيُّ كما ترى.
وأبو علي المذكور وقع في نسخة سماعنا بخط إسماعيل الأنماطي -وهو من الحفاظ-: «البَجَلي» -بفتح الموحدة والجيم- (٦)، وهو تصحيف، وإنما هو: البلخي -بتقديم اللام الساكنة على الخاء المعجمة-، كذلك نسبه الحاكم أبو أحمد في «الكنى» (٧). وكانت وفاته سنة أربع وتسعين (٨).
وإنما استُغرِب رفعُ الحديثِ عن مالكٍ. وقد مضى (٩) مرفوعًا من حديث جابر، وهو صحيح، ويأتي من حديثِ أبي هريرة.
وجَاءَ بعضُهُ -أيضًا- مرفوعًا عن صحابيٍّ آخرَ:
قرأت على الإمام الحافظ أبي الفضل بن الحسين، عن عبد الله بن محمد العطار -فيما قرأ عليه-، عن أبي الحسن ابن البخاري -سمَاعًا-، قال: أنا أبو عبد الله الكرَّاني -في كتابه-، قال: أنا أبو القاسم الصيرفي، قال: أنا أبو الحسين الأصبهانِيُّ، قال: أنا أبو القاسم الطبَرَانيُّ (١٠)، قال: ثنا عبْدانُ بن أحمد، قال: ثنا شَبَابٌ العصفريُّ، قال: ثنا زِيَادُ بنُ عبْدِ الله البكَّائيُّ، عن إسماعيلَ بنِ أبي خالد، عن عبْد الله بن أبي أَوفى ﵄، قال: «كان رسُولُ الله ﷺ يُكبِّر على الصَّفَا وَالمرْوةِ إحدى وعشرين تكبيرَة في السَّبْعِ» (١١).
هذا حدِيثٌ حَسَن، ورُواتُهُ من رجال الصحيح، لكنْ زيادٌ صَدوقٌ، تكلم بعضهم في حفظِهِ (١٢).
وقرأتُ على المُسْنِدِ أبي الفرج بن أحمد البزاز ﵀، عن عليّ بن إسماعيل القرشِيِّ -سَماعًا-، قال: أنا عبدُ اللطيف بن عبد المنعم، عن مسعود بن محمد، قال: أنا الحسَنُ بن أحمد، قال: أنا أحمد بن عبد الله (١٣)، قال: أنا عبْدُ الله بن محمد بن جعفر، وعبْدُ الله بنُ جعفر بنِ فارس:
قال الأول: حدثنا أبو يَعْلى، قال: ثنا هُدْبةُ.
وقال الثاني: حدثنا يونسُ بنُ حَبِيبٍ، قال: ثنا سُليمان بن دَاود.
قالا: ثنا سليمان بن المغيرةِ، عن ثابتٍ البُنَانِيِّ، عن عبد الله بن رَباح -بفتح الرَّاء، وتخفيف الموحدة-، قال: وَفَدْنَا على مُعَاوِيَةَ، ومعنا أبو هريرة ﵁، فذكر قصَّةً، وفيها: فقال أبو هريرة: ألا أُحَدِّثُكُم بحديث عن الأنصَار؟ فذكر حديثَ فتح مكةَ مُطوَّلًا، وفيْهِ: فقال رَسُولُ الله ﷺ: «اهتُفْ لي بالأنصار»، وفيه: ثم أتى الصَّفا، فعلاه حتى نظر إلى البيت، فجعَلَ يُكبِّرُ اللهَ، ويحمدُهُ، وَيَدعُوْهُ. الحديث.
هذا حديث صحيح.
أخرجه مُسلِمٌ (١٤) عن شيْبَانَ بنِ فرُّوخ، عن سليمان بن المغيرة. وعن زهير (١٥)، عن بهز، عن سليمان. فوقعَ لنا بَدَلًا عَاليًا بدرجة مِنْ الطَّريق الأولى، وعاليًا بدرجتين من الطريق الثانية.
وأخرَجه أبو عوانة (١٦) عن يونس بن حبيب. فوقع لنا موافقة عالية.
وأخبرنا الحافظ أبو الحسن بن أبي بكر ﵀، قال: أنا أبو الفضل محمد بن إسماعيل بن الحَمَويّ، بالسَّند الماضِي مرَارًا إلى البيهقيِّ (١٧)، قال: أنا أبو القاسم الحُرْفِيُّ -بضم المهملة، وسكون الرَّاء، بَعْدها فاء-، قال: أنا حمزة بن محمد، قال: ثنا أحمد بن الوليد، قال: ثنا شاذان -هو الأسْودُ بنُ عامر-، قال: ثنا سفيان بن عيينة (١٨)، عن أبي الأسْود -هو محمد بن عبد الرحمن بن نَوفلٍ المدنيِّ-، عن نافع، عن ابن عمر، أنَّه كان يقول على الصفا: «اللهم أحيِني على سنة نبيك، وتوفَّني على مِلَّتِه (١٩)، وأَعِذْني من مضلات الفتن».
هذا موقوف صحيح (٢٠). والله أعلم.
آخر المجلس التاسع عشر بعد الخمسمائة من تخاريج أمالِي الأذكار، وهو التاسع والتسعين (٢١) بعد الثمانمائة من الأمالي المصرية بالمدرسة البيبرسية -رحم الله واقفها-، مما أملاه شيخ الإسلام، حافظ العصْر، المشار إليه فيه، فكتبته عنه من حفظه ولفظه حالة العرض والإملاء. المستملي: الشيخ زين الدين أبو النعيم رضوان العُقْبي. وأجاز المملي المشار إليه رواية ذلك وجميع ما يجوز له وعنه، متلفظًا بذلك، بسؤال المستملي المذكور له في عقبه، بتاريخ حادي عشرين شهر ربيع الآخرة، سنة تاريخه. رواية كاتبه الفقير محمد الخطيب عنه -كما تقدم-.
(١) كذا في الأصل، والصواب: «أحمد» -كما في ترجمته من «تاريخ دمشق» (١٥/ ١٩٠)، و «تاريخ الإسلام» (١٢/ ١٢٣)، وغيرهما-، وقد ساقه المؤلف في «المعجم المفهرس» (ص ٣٧) على الصواب.
(٢) (٩٤١٨).
(٣) «الفوائد» (١٨١).
(٤) في الحاشية مرموزًا له برمزها: «مدينة من بلاد عراق العجم».
(٥) وقع في الأصل: «من»، ولعله سهو، فالسياق لا يساعده، والمراد العزو إلى كتاب النسائي.
(٦) وكذلك وقع في فرعٍ من فروع نسخة المنذري تشستربيتي رقم ٣٤٤٥]. وعَوْدُ نسخة المنذري إلى نسخة الأنماطي أو إلى أصلها محتمل.
(٧) لم يصل إلينا الجزء الذي وقعت فيه كنية أبي علي من «كنى الحاكم» و «تلخيصه» لعبد الغني لمقدسي، ووقع كما ذكر المؤلف في مختصره «المقتنى» للذهبي (٤٤٣١)، وكذا وقعت النسبة صوابًا في مطبوعة «فوائد تمام» -وأصل المحقق بخط الحافظ عبد الغني المقدسي-، وفي نُسَخةٍ قديمةٍ لم يعتمدها المحقق المجموع ٩٣ من مجاميع العمرية].
(٨) يعني: ومائتين. وهو قولٌ في وفاته، وقيل: سنة خمس وتسعين. انظر: «تاريخ بغداد» (١١/ ٢٩٩)، «تاريخ الإسلام» (٦/ ٩٦٧)، «تذكرة الحفاظ» (٢/ ٦٩٠).
(٩) في المجلس السابق (٥١٨).
(١٠) «الدعاء» (٨٦٦).
(١١) لفظه عند الطبراني: «كان رسول الله ﷺ يكبر على الصفا والمروة ثلاثة أسابيع، إحدى وعشرين تكبيرة»، وكذا أخرجه في الكبير -كما في «جامع السنن والمسانيد»، لابن كثير (٥٩٨٨) -، بالإسناد نفسه، بأتم منه. وقد يفهم من هذا أن الإحدى والعشرين تكبيرةً للأسابيع الثلاثة، فتكون سبعَ تكبيراتٍ في كل سبع.
(١٢) قال المؤلف في «تقريب التهذيب» (٢٠٨٥): «صدوق، ثبتٌ في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين». وقد روى هذا الحديثَ غيرُ واحدٍ من الحفاظ وسواهم عن إسماعيل، فلم يذكروا التكبيرات فيه، وهو الوجه الذي أخرجه البخاري في «صحيحه» (١٧٩١، ٤١٨٨).
(١٣) «المستخرج على صحيح مسلم» أوقاف حلب رقم ١٦٨٦١/ الأسد].
(١٤) (١٧٨٠).
(١٥) كذا، والصواب: «عبد الله بن هاشم». وليس لزهيرٍ عن بهزٍ روايةٌ في الستة.
(١٦) (٧٢٢٢).
(١٧) (٩٤٢٣).
(١٨) كان فيه: «سفيان -هو الثوري-»، ثم ضرب على التعيين، وألحق المثبت. ورواية شاذان عن الثوري أشهر وأكثر، لكن هكذا جاء ابنُ عيينة منسوبًا في مصدر المؤلف، وفي «الصغير» للبيهقي -أيضًا- (١٦٤٩)، فالله أعلم.
(١٩) كان فيه: «على الإسلام، وتوفني عليه، وأمتني (؟)»، ثم ضرب عليه، وألحق المثبت، وهو الصواب.
(٢٠) رواية السفيانين عن أبي الأسود غريبة جدًّا. وستأتي للأثر طرقٌ أخرى في المجلس التالي، ويأتي في الذي يليه فيما يقال بين الصفا والمروة، لا على أولهما.
(٢١) كذا، والوجه: «والتسعون».