المجلس (٥٤١): فضل شرب ماء زمزم.
المجلس ٥٤١ منه، وهو ٩٢١ من أمالي سيدنا ومولانا قاضي القضاة
قال ﵁:
وقصة مسلم مع أبي زرعة ذكرها الحاكم (١).
وله عذر آخر، وهو أنه حين لقي سويدًا كان قبل أن يطرأ عليه العمى (٢)، فإن سويدًا بعدَ أن عمي صار يُلقن فيتلقن، فكثر الخطأ في حديثه، وطعنوا فيه، وبالغ ابن مَعين في ذلك حتى قال (٣): لو كان لي فَرس ورمح لغزوت سويدًا.
وذكر شيخ شيوخنا الحافظ شمس الدين الذهبي في ترجمة عبد الله بن المبارك من «تاريخه» الكبير (٤) وكتاب «سير النبلاء» (٥) هذا الحديث من طريق الخطيب (٦)، وقال: هذا حديث فرد، أتى به سويد، والمحفوظ ما رواه الحسن بن عيسى، عن ابن المبارك، عن ابن المؤمل، عن أبي الزبير، لا كما قال سويد (٧).
قلت: الحسن بن عيسى لم يختلف في إتقانه، وهو -مع ذلك- مكثر عن ابن المبارك، ومن بلده، بخلاف سويد في جميع ذلك (٨).
ذكر شواهد حديث جابر:
قرأت على الحافظين شيخ الإسلام أبي الفضل بن الحسين وأبي الحسن الهيثمي -رحمة الله عليهما-، عن أحمد بن يوسف الخلاطي -سماعًا بقراءة الأول-، أنا أبو أحمد الحافظ الدمياطي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا ناصر بن محمد، أنا إسماعيل بن الفضل، أنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، ثنا علي بن عمر بن مهدي الدارقطني الحافظ.
وبه إلى الدمياطي، قال: وأخبرنا عاليًا أبو الحسن بن المقير -إجازة مشافهة-. ح
وقرأت سند هذا الحديث عاليًا بدرجة أخرى على الشيخ أبي عبد الله بن قوام، عن أبي العباس بن نعمة، عن أبي الحسن القطيعي:
كلاهما عن أبي الكرم الشهرزوري، عن أبي الحسين بن المهتدي، عن أبي الحسن الدارقطني (٩):
ثنا عُمر بن حسن بن علي، ثنا محمد بن هشام بن علي المروزي، ثنا محمد بن حبيب الجاروذي (١٠)، ثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس ﵄، قال: قال رسول الله ﷺ: «ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفي شفاك الله، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله، وإن شربته لشبعك أشبعَك الله، وهي هزمَةُ (١١) جبريل، وسقيا إسماعيل ﵉».
هذا حديث غريب.
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (١٢) عن علي بن حَمشاذ، عن محمد بن هشام. فوقع لنا بدلًا عاليًا.
وقال: صحيح الإسناد إن سلم من الجاروذي.
وقال أبو الحسن ابن القطان (١٣) -وتَبعه المنذري (١٤) -: إن الجاروذي ذكره الخطيب، وقال: «كان صدُوقًا»، لكن محمد بن هشام لا يُعرف حاله.
وتبعهما جماعة، لكن قال الذهبي في ترجمة الجاروذي (١٥): إن ابن هشام معروف موثق، يقالُ له: ابن أبي الدمَيك (١٦). والجاروذي روى عن سفيان بن عيينة، أتى عنه بخبر اتهم به، وَغمزَه الحاكم.
وقال قبل ذلك في ترجمة عمر -هو الأشناني القاضي- (١٧): رَوى عن محمد بن هشام، فساق هذا الحديث، وأشار إلى أنه وضَعَه.
وقد تعقبت كلامه في «لسان الميزان» (١٨) بأن الأشناني وإن كانوا طعنوا فيه لم ينفرد به، بل تابعه ثقة، وهو علي بن حَمشاذ -بفتح المهملة، وسكون الميم، والشينُ والذال معجمتان-، أكثر عنه الحاكم. وقد زاد في روايته ما نصه: قال: وكان ابن عباس إذا شرب مَاءَ زمزم قال: اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وشفاء من كل دَاءٍ.
وقد تقدم نحو هذا الدعاء من طريق ابن عباس -أيضًا- في هذا التخريج (١٩).
ولم يقع في رواية علي هذا: «وهي هزمة» إلى آخره. وقال -بدل قوله: «وإن شربته لشبعك» -: «وإن شربته تستعيذ به أعَاذك الله».
وإذا تقرر ذلك، تبين انفراد محمد به عن محمد، وقد خولف في وصله ورفعه (٢٠).
والله أعلم.
آخر ٥٤١، وهو ٩٢١ من الأمالي المصرية، و ١٨ بدار الحديث.
* * *
(١) يعني التي أشار إليها في ختام المجلس السابق. وقد أعاد المؤلف هنا ما ذكره في «جزئه» في هذا الحديث (ص ٢٧٣)، غير أني لم أجد لأبي زرعة حكايةً مع مسلم في شأن سويد، وإنما ساق الحاكم في «المدخل إلى الصحيح» (٤/ ١٣٣) قول إبراهيم بن أبي طالب: قلت لمسلم: كيف استجزت الرواية عن سويد بن سعيد في الصحيح؟ فقال: «فمن أين كنت آتي بصحيفة حفص بن ميسرة؟»، ونقله المؤلف في «تهذيب التهذيب» (٥/ ٥٣١). وليس في هذا تصريح بأنه لم يخرج له إلا ما توبع عليه، وإن كان هذا مؤداه أو بعض مؤداه. وأما عتاب أبي زرعة وإنكاره على مسلم، وجواب مسلم عنه، فحكاه البرذعي في «مسائله» (٢/ ٦٧٤ - ٦٧٦)، وليس فيه ذكرٌ لسويد، وإنما لضعفاء آخرين، وصرَّح مسلم في جوابه بالتزامه أن يروي الحديثَ الثقاتُ عن شيوخهم.
(٢) جزم بذلك العلائي في «المختلطين» (ص ٥٥)، والمؤلف في هذا الموضع وغيره، وأما شيخه العراقي فقال في «شرح ألفيته» (١/ ٣٤١): «لعل مسلمًا إنما خرج عنه ما عرف أنه حدث به قبل عماه»، وهذا أجود.
(٣) «المجروحين» لابن حبان (٢/ ٨٠)، وبمعناه في «تاريخ بغداد» (١٠/ ٣١٧).
(٤) (٤/ ٨٨٩).
(٥) (٨/ ٣٩٣).
(٦) كذا، ولم يسنده الذهبي في الموضعين، لكنَّ اقتباسه إياه من الخطيب قريب.
(٧) اكتفى المؤلف في رواية الحسن بن عيسى هنا بعزوها إلى الذهبي، وقد خرَّجها في «جزئه» (ص ٢٧٤) من «فوائد ابن المقرئ»، وهي في «تاريخ دمشق» (٣٢/ ٤٣٦) مسندةً من هذه الفوائد، ورجَّحها ابن عساكر.
(٨) الحسن بن عيسى نيسابوري لا مروزي، إلا إن أراد المؤلف خراسانيَّتَهما إقليمًا. ولا يُختلف في اختصاص الحسن بابن المبارك على كل حال.
(٩) «السنن» (٢٧٣٩).
(١٠) كذا في الأصل بإعجامها ذالًا، وكذا عند ورود النسبة في المواضع الآتية -سوى التالي في كلام الحاكم، ولعله غير مقصود-. وهو ضبطٌ غريب لم أجده في المصادر لهذا الراوي، لكنه ربما وقع -على قلة- في تراجم آخرين، والأكثر على إهمالها دالًا.
(١١) في الحاشية بخط الناسخ: «الهزمة: الدفعة. وقيل: بالعقب». وفي «النهاية» (٥/ ٢٦٣): «الهزمة: النقرة في الصدر، وفي التفاحة: إذا غمزتها بيدك. وهزمت البئر: إذا حفرتها».
(١٢) (١٧٥٣).
(١٣) «بيان الوهم والإيهام» (٣/ ٤٧٩)، ولم ينقله عن الخطيب.
(١٤) «الترغيب والترهيب» (٢/ ٢١٠). وعصر الرجلين متقارب، فتُحقَّق تبعية المنذري المذكورة.
(١٥) «ميزان الاعتدال» (٤/ ٨٢).
(١٦) هذا قاله الذهبي في ترجمة شيخ الدارقطني، وسيأتي النقل عنها.
(١٧) «الميزان» (٣/ ١٩٤).
(١٨) (٦/ ٧٨).
(١٩) في المجلس الماضي برقم (٥٣٨) منه.
(٢٠) يبينه المؤلف في مطلع المجلس التالي -بإذن الله-.