للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(٤٠٦)

[باب ما ينفع الميت من قول غيره، والنهي عن سب الأموات]

أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويصلهم. واحتجوا بقول الله تعالى: ﴿والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان﴾ [الحشر:١٠] وغير ذلك من الآيات المشهورة بمعناها، وفي الأحاديث المشهورة كقوله : "اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد" وكقوله : "اللهم اغفر لحينا وميتنا" وغير ذلك.

واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن، فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة أنه لا يصل. وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل، والاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه: "اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان، والله أعلم. ويستحب الثناء على الميت وذكر محاسنه.

وروينا في صحيحي البخاري ومسلم،

عن أنس قال مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي : "وجبت" ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: "وجبت" فقال عمر بن الخطاب : ما وجبت؟ قال: "هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض".

وروينا في صحيح البخاري، عن أبي الأسود قال:

قدمت المدينة فجلست إلى عمر بن الخطاب ، فمرت بهم جنازة، فأثني على صاحبها خير، فقال عمر: وجبت، ثم مر بأخرى فأثني على صاحبها خير، فقال عمر: وجبت، ثم مر بالثالثة فأثني على صاحبها شر فقال عمر: وجبت؛ قال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟! قال: قلت كما قال النبي :"أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة" فقلنا: وثلاثة؟ قال: "وثلاثة" فقلنا: واثنان، قال: "واثنان"، ثم لم نسأله عن الواحد. والأحاديث بنحو ما ذكرنا كثيرة، والله أعلم.

المجلس (٤٠٦): ما ينفع الميت من قول غيره، النهي عن سب الأموات.

(١) ومنها: ما قرأت على أم الحسن بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا إسماعيل بن ظفر، أنا أبو عبد الله الكرَّاني، أنا أبو القاسِم الصَّيْرفي، أنا أبو الحسين بنِ فاذشاه، أنا أبو القاسم الطبراني (٢)، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا حرب بن سُريج -بالمهملة، وَالجيم-، حدثتنا زينب بنت يزيد العتكية، قالت: كنت قاعدة إلى جنبِ عائشة ، فقالت: سمعت رسول الله (٣) يقول: «إن الأُمَم السالفة كانت المائة منها (٤) أمة، وإن (٥) الخمسين من أمتي أمَّة، إذا شهدت لأحد بخير وَجبت له الجنة». فقالت عائشة : وما هو أقل من الخمسين؟ قالَ: «وَأربعين».

هذَا حَدِيث غرِيب.

وَحرب صَدُوق، ضعف من قبل حفظِه (٦). وزينب لم أر فيها توثيقًا وَلَا تجريحًا.

وَإذا انضمَّ هذَا إلى الحَدِيثِ الذي قبله (٧) تقيد ذلكَ بالجيران.

وَمنها: مَا أخرجَهُ أبو يعلى، وَابن أبي عمر، في «مسنديهما» (٨)، وَصححَهُ الحاكم (٩)، كلهم من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنسٍ ، قال: قيل: يا رسول الله، من أهل الجنة؟ قالَ: «من لا يموت حتى تُملأ أذناه ممَّا يحب»، قالوا: فمن أهل النار؟ قال: «من لا يموت حتى تُملأ أذناه مما يكره».

وَهو حَدِيث غرِيبٌ مَع ثقة رجاله (١٠).

وَله شاهدٌ أخرجَهُ ابن ماجة (١١) مِنْ حَدِيث ابن عباس ، عن النبي ، قالَ: «أهل الجنة من يملأ أذنيه من ثناء الناسِ خيرًا وهو يسمع (١٢)، وَأهل النار من يملأ أذنيه من ثناء الناس شرًّا وهو يسمع».

وسنده مقارب. (١٣) [هـ: ١٠٣ ب]

قوله (١٤): «باب النهي عن سب الأموات.

روينا في «صحيح البخاري» عن عائشة »، إلى آخره.

قرئَ على الشيخ أبي إسحاق التنوخي ونحن نسمع، أن أحمد بن أبي طالب أخبرهم، أنا أبو المنجا البغدادي، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن المظفر، أنا أبو محمد السرخسي، أنا أبو العباس السمرقندي، ثنا أبو محمد الدارمي (١٥)، ثنا سعيد بن الربيع، ثنا شعبة، ثنا سليمان -يعني: الأعمش-، عن مجاهد، عن عائشة ، قالت: قال رسول الله : «لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا».

أخرجه أحمد (١٦) عن عبد الرحمن بن مهدي، والبخاري (١٧) عن آدم بن أبي إياس، وعن علي بن الجعد -فرقهما-، ثلاثتهم عن شعبة.

وأخرجه ابن حبان (١٨) من رواية عبثر -بمهملة، ثم موحدة، ثم مثلثة، كجعفر-، عن الأعمش، وزاد في أوله قصة: أن عائشة سألت عن رجل، وسبته، فقيل لها: إنه قد مات، فاستغفرت له (١٩)، وذكرت الحديث.

وقد وقعت لي هذه القصة من وجه آخر عنها، مع اختلاف في المتن:

قرأت على أم الحسن بنت المنجا، بالسند الماضي آنفًا (٢٠) إلى مسلم بن إبراهيم، ثنا إياس بن أبي تميمة، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة ، أنها ذكر عندها رجل، فنالت منه، فقيل لها: إنه قد مات، فترحمت عليه، فسُئِلت عن ذلك؟ فقالت: إن رسول الله قال: «لا تذكروا موتاكم إلا بخير».

وسند هذا الطريق حسن (٢١).

وقد أخرجه النسائي (٢٢) من رواية منصور بن صفية بنت شيبة، عن أمه، (٢٣) قالت: ذكر عند النبي هالك بسوء، فقال: «لا تذكروا هلكاكم إلا بخير».

وسنده صحيح.

قوله (٢٤): «وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، بإسناد (٢٥) ضعفه الترمذي، عن ابن عمر»، إلى آخره.

قلت: سبق ذكره وتخريجه والكلام عليه في «باب ما يقال في حال غسل الميت» (٢٦).

ونقل الشيخ هناك -أيضًا- أن الترمذي ضعفه، ولم أر في شيء من نسخ الترمذي تصريح الترمذي بتضعيفه، وإنما استغربه، ونقل عن البخاري أن بعض رواته منكر الحديث.

وقد سكت عليه أبو داود، وصححه ابن حبان (٢٧) وغيره، وقد ذكرت شاهده من شرط الحسن.

والله أعلم.

آخر ٤٠٦، وهو ٧٨٦.

* * *


(١) في (ص): «المجلس ٤٠٦ منه، وهو ٧٨٦ من أمالي سيدنا شيخ الإسلام، قال». وفي (هـ): «حدثنا سيدنا ومولانا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، حافظ العصر، أحمد بن علي … ، يوم الثلاثاء، السابع من شعبان، سنة ست وأربعين وثماني مائة، من حفظه وإملائه، وكتبـ … ».
(٢) «الدعاء» (١٩٦٥).
(٣) كتب ناسخ (هـ) في الحاشية: «إلى هنا كان السماع من لفظ الشيخ، لكن سمعته من المستملي».
(٤) سقطت «منها» من (هـ).
(٥) سقطت «إن» من (ص).
(٦) قال المؤلف في «تقريب التهذيب» (١١٦٤): «صدوق يخطئ».
(٧) «نتائج الأفكار» (٤/ ٤٤٦). وهو حديث ابن مسعود، قال: جاء رجل إلى النبي ، فقال: يا رسول الله، كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أني قد أحسنت، وإذا أسأت أني قد أسأت؟ قال: «إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت».
(٨) في «الكبير» لأبي يعلى، ولم نقف عليه، ولا على «مسند ابن أبي عمر»، ولم أجد من أخرجه من طريقهما، أو عزاه إليهما.
(٩) (١٤١٤).
(١٠) وفيه علة، انظر: «التاريخ الكبير» (٢/ ٤٧٢)، «التاريخ الأوسط» (٣/ ١٢٣)، «الجعديات» (٣٣٥٤)، «الزهد الكبير» للبيهقي (ص ٣٠٦).
(١١) (٤٢٢٤).
(١٢) سقطت «وهو يسمع» من (ص).
(١٣) هنا آخر نسخة (هـ).
(١٤) «الأذكار» (ص ٢٧٩).
(١٥) (٢٥٥٣).
(١٦) (٢٦١٠٧).
(١٧) (١٣٩٣، ٦٥١٦).
(١٨) (٣٠٢١).
(١٩) كذا، ولم يقع الاستغفار للميت في الرواية المذكورة.
(٢٠) «الدعاء» للطبراني (٢٠٦٥).
(٢١) لكن نقل المؤلف في «تهذيب التهذيب» (٩/ ١١٦) أن الإمام أحمد قال: «ورواية عطاء عن عائشة لا يحتج بها، إلا أن يقول: سمعت».
(٢٢) «المجتبى» (١٩٥١)، «الكبرى» (٢٢٦٧).
(٢٣) سقط على المؤلف أو الناسخ ذكر عائشة هنا، وهو ثابت في مصدره.
(٢٤) «الأذكار» (ص ٢٧٩).
(٢٥) زاد في «الأذكار»: «ضعيف».
(٢٦) «نتائج الأفكار» (٤/ ٣٧١).
(٢٧) «صحيح ابن حبان» (٣٠٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>