المجلس (٤٤٤): أذكار الكسوف.
المجلس ٤٤٤ من «تخريج أحاديث الأذكار»، وهو ٨٢٤ من أمالي سيدنا شيخ الإسلام
قال:
ومن الأحاديث الواردة في تطويل السجود في صلاة الكسوف:
حديث أبي هريرة عند النسائي (١)، أخرجه من رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عنه، قال: «انكسفت الشمس، فقام النبي ﷺ، فأطال القيام»، إلى أن قال: «ثم سجد، فأطال السجود»، الحديث.
وعند أبي داود (٢) من رواية سليمان بن يسار، عن عروة، عن عائشة، في صلاة الكسوف، نحوه.
وحديث أم سليمان (٣) -غير منسوبة-: أخرجه الطبراني (٤)، ولفظه: «وسجوده مثل قيامه وركوعه» (٥).
قوله (٦): «قال أصحابنا: ولا يطول الجلوس بين السجدتين»، إلى [أن] (٧) قال: «فقد ثبت في حديث صحيح إطالتُه، وقد ذكرت ذلك واضحًا في شرح المهذب».
قلت: قال فيه (٨): «وأما تطويل الجلوس بين السجدتين، فنقل الغزالي والرافعي وغيرهما الاتفاق على أنه لا يطول. قال: وحديث عبد الله بن عمْرو يقتضي استحباب إطالته»، وكان قد قدم ذكر حديث عبد الله بن عمرو، [و] (٩) ذكر من صححه:
وهو فيما قرأت على الشيخ أبي إسحاق التنوخي ﵀، عن أيوب بن نعمة النابلسي -سماعًا عليه-، أنا إسماعيل بن أحمد العراقي، أنا أبو المحاسن الجوهري -في كتابه-، أنا أبو محمد الدوري، أنا أبو نصر بن الكسار، أنا أبو بكر بن السني، أنا أبو عبد الرحمن النسائي (١٠)، أنا هلال بن بشر، ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن عطاء بن السائب، حدثني أبي، أن عبد الله بن عمْرو حدثه. ح
وقرأت على أبي المعالي الأزهري، عن أبي العباس بن أبي الفرج -سماعًا عليه-، أنا أبو الفرج بن عبد المنعم، بالسند الماضي مرارًا إلى الإمام أحمد (١١): ثنا محمد بن فضيل، ثنا عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ، فقام إلى مصلاه، وقام الناس معه، فقام قيامًا طويلًا، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه، ثم سَجَد فأطال السجود، ثم رَفع رأسه فأطال الجلوس، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع رأسه، فقام فأطال القيام والركوع والسجود والجلوس والسجود، وصنع في الركعة الثانية مثل ما صنع في الأولى» الحديث.
وأخرجه النسائي -أيضًا- (١٢)، وابن حبان (١٣)، من رواية محمد بن فضيل.
وأخرجه الترمذي في «الشمائل» (١٤)، وابن خزيمة (١٥)، وابن حبان (١٦)، من طريق جرير بن عبد الحميد، عن عطاء بن السائب.
وأخرجه أبو داود (١٧) من رواية حماد بن سلمة، عنه.
وعطاء اختلط، وسماع هؤلاء منه بعد الاختلاط، لكن أخرجه ابن خزيمة (١٨)، والحاكم (١٩)، من طريق سفيان الثوري، عن عطاء، وهو ممن سمع منه قبل اختلاطه. فلو كان الراوي عن سفيان متقنًا لما ضر الكلام في عطاء.
قال الشيخ في «شرح المهذب» (٢٠): «أخرجه أبو داود، وفي إسناده عطاء بن السائب، وهو مختلف فيه. وقد رواه ابن خزيمة في «صحيحه»، ورواه الحاكم في «المستدرك» من طريق آخر صحيح، وقال: «هو صحيح»».
قلت: وهذا ظاهره أن ابن خزيمة لم يخرج الطريق الآخر، وأن الحاكم لم يخرج الطريق الأول، وليس الأمر كذلك، بل كل منهما أخرج كلًّا منهما (٢١):
قال ابن خزيمة: ثنا أبو موسى -يعني: محمد بن المثنى-، ثنا مؤمل -هو ابن إسماعيل-، ثنا سفيان -هو الثوري-، فذكره.
ثم قال: وعن سفيان، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمْرو، مثله.
وأخرجه الحاكم من رواية حميد بن عياش، عن مؤمل بن إسماعيل، بالإسنادين معًا.
ومؤمل صدوق، لكن ضعفوه من قبل حفظه (٢٢).
ويعلى بن عطاء من رجال مسلم، لكن أبوه: عطاءٌ، يقال له: العامري، لم يَذكرُوا فيه جرحًا ولا تعديلًا، ولا سَمَّوْا أباه (٢٣)، وهو غير عطاء بن السائب.
فلو كان مؤمل متقنًا لمشى الأمر في المتابعات، لأن السائب والد عطاءٍ ليس من رجال الصحيح.
وقد أخرجه أحمد (٢٤)، والنسائي (٢٥)، من رواية شعبة، عن عطاء بن السائب -وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط-، لكن قال في روايته: «وأحسبه قال في السجود كذلك»، فإذا كان المتقن تردد، والذي لم يتردد غير متقن، فكيف يُحكم لهذه الزِّيادة بالصحة؟ (٢٦)
لكن ابن خزيمة وابن حبان والحاكم يُطلقون على الحسن صحيحًا، وهذا الحديث ليس بقاصر عن درجة الحسن.
والعلم عند الله -تعالى-.
آخر ٤٤٤، وهو ٨٢٤، في ١٢ رجب.
* * *
(١) (١٤٩٩).
(٢) (١١٨٧)، وليس فيه موضع الشاهد.
(٣) كذا، والصواب: «أم سفيان»، ولعله من الناسخ، إذ سيأتي صوابًا في مطلع المجلس التالي.
(٤) «المعجم الكبير» (٢٥/ ١٦١).
(٥) كذا، ولفظه في مصدر المؤلف: «قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم ركع ركعتين، وسجد سجدتين، يقوم فيهما مثل قيامه، ويركع مثل ركوعه»، وليس فيه دلالة على المراد.
(٦) «الأذكار» (ص ٢٩٣).
(٧) سقط على الناسخ سهوًا.
(٨) «المجموع» (٥/ ٥١).
(٩) سقط من الأصل، ولا بد منه لاستقامة السياق، وهو المطابق لواقع الحال في مصدر المؤلف.
(١٠) (١٤٩٨).
(١١) (٦٥٩٤).
(١٢) لم أجده عنده من هذه الطريق، وإنما أخرج رواية شعبة التي سيذكرها المؤلف لاحقًا.
(١٣) (٢٨٢٩)، وليس فيه موضع الشاهد.
(١٤) (٣٢٤).
(١٥) (١٣٨٩).
(١٦) (٢٨٣٨)، وليس فيه موضع الشاهد.
(١٧) (١١٩٤).
(١٨) (١٣٩٣).
(١٩) (١/ ٣٢٩).
(٢٠) (٥/ ٥١).
(٢١) سبق تخريجه منهما.
(٢٢) قال المؤلف في «تقريب التهذيب» (٧٠٢٩): «صدوق سيئ الحفظ».
(٢٣) قال المؤلف في «تقريب التهذيب» (٤٦٠٩): «عطاء العامري الطائفي: مقبول».
(٢٤) (٦٨٧٨).
(٢٥) (١٥١٢).
(٢٦) الحديث عند عبد الرزاق (٤٩٩٠) -ومن طريقه أحمد (٦٩٨٧) -، وعند البيهقي (٦٣٨٤) من طريق أبي عامر العقدي، كلاهما عن الثوري، عن عطاء، به، وفيه موضع الشاهد بتطويل ما بين السجدتين، فصح. ومع عدم إيراد المؤلف لهاتين الروايتين في «الفتح» (٢/ ٥٣٩)، واقتصاره على رواية ابن خزيمة -وهي من طريق مؤمل عن الثوري-، فإنه لم يتردَّد هناك تردُّدَه هنا، بل قال: «والثوري سمع من عطاء قبل الاختلاط، فالحديث صحيح، ولم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا، وقد نقل الغزالي الاتفاق على ترك إطالته، فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام، وإلا فهو محجوج بهذه الرواية».