يَرْبَؤُونَ بأنفسهم عن القضاء، وكيف يمكن (١) القضاء على الأعصار بخلوها عن مجتهد؟! هذا مُنْكَرٌ من القول.
والقفَّالُ نفسه كان يقول للسائل في مسألة الصُّبْرة:«أتسألني عن مذهب الشافعي أم ما عندي؟»(٢).
وقال هو، والشيخ أبو علي، والقاضي الحسين، وغيرهم:«لسنا مقلِّدين للشافعي، بل موافقين، وافق رأينا رأيه»، فما هذا كلام من يدعي زوال رتبة الاجتهاد.
وقد قالت طوائف: لا يخلو كل عصر عن مجتهد، وهي مسألة خلافية بين الأصوليين، يعجبني فيها قول المجتهد المطلق تقي الدين ابن دقيق العيد:«إنه لا يخلو العصر عن مجتهد إلا إذا تداعى الزمان وقرُبَتِ الساعة»(٣).
وهذا القرن الذي نحن فيه قد كان فيه هذان الرجلان، وهما: الوالد وقبله ابن دقيق العيد، ما شك أحد في أنهما بلغا هذه الدرجة (٤) وجاوزاها، وقد نطق الوالد وقبله شيخه ابن الرّفعة - وكان من أقران ابن دقيق العيد - بأن ابن دقيق العيد مجتهد لا شك فيه.
وما اختلف تلامذة ابن عبد السلام في أنه بلغ رتبة الاجتهاد، وهكذا لا نعهد عصرًا إلا وقد أقام الله فيه الحُجَّة بعالم بين أظهر المسلمين، ولن تبرح
(١) زاد في ك: (هذا). (٢) انظر: مغني المحتاج: (٦/ ٢٦٥). (٣) انظر: التهذيب: (١/ ٥٤)، مغني المحتاج: (٦/ ٢٦٥). (٤) في س: (الرتبة)