فإن كان الأول حصل المدَّعَى، وإن كان الثاني فنقول: ذلك البعض المسكوت عن الحكم بكونه صوابا أو خطأ إما أن يكون أقل من المحكوم بكونه صوابا، أو مساوياً له، أو أكثر، فإن كان أقل (١) فإلحاق القليل بالكثير والفرد النادر بالأعم الأغلب طريق من طرق الصواب، فلنحكم على الكلّ بأنه صواب؛ إلحاقاً للفرد النادر بالأعم الأغلب، وإن كان مساوياً أو أكثر فنقول: لما احتمل هذا الخطأ والصواب، مع ثبوت الصواب لما وراءه؛ فالحكم عليه بأنه صواب أرجح من الحكم بأنه خطأ من وجوه ثلاثة:
أحدها: أنَّ الحكم بأنه خطأ لا مستند له ظاهر، والحكم بأنه صواب مستنده ظاهر، وهو اشتراك الأبعاض فيما لكلّ منهما (٢)، والحكم بما له مستند - وإن لم يقو كلَّ القوة - أقرب إلى الصواب من الحكم الذي لا مستند له يظهر.
والثاني: أن عدم ظهور الخطأ يوجب عدم الحكم به، وعدم ظهور الصواب لا يوجب عدم الحكم بالصواب؛ لأنَّ الحكم به مستند إلى أصل البراءة، ولو ثبت الخطأُ لكان فتحاً لباب الملام، لكن أصل استصحاب البراءة الأصلية يسدُّ باب الملام ما لم يثبت بوجه شرعي، فكان الحكم بالخطأ مرتفعاً.
وهذان وجهان جدليان.
والثالث حقيقي: قوله ﷺ ﴿رفع عن أمتي الخطأ﴾ (٣)، فإنَّ المراد إما نفسه، أو إثمه، أو حكمه، لكن حكمه وإثمه ينتفيان في موضع لا يمكن أن يُحمل عليه
(١) زاد في ص: (من المحكوم بكونه صوابا). (٢) في ز، ك، ص: (منها). (٣) رواه ابن ماجه (٢٠٤٣).