للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حكمة بالغة، وعدل شامل، شَمِلَ بعدله كلَّ الفِرق، ودلَّ مَنْ أسعده عليه من أقرب الطرق، وقرَّبَ مَنْ ارتضاه من العارفين بما ألم بقلبه من المعارف وطرق، واختار من اصطفاه ولطف به ورفق، وأعز من وقف على قدم عبوديته تذللا وانكسارا وصدق، وأذل عبدًا حاد عن سبيل هداه وأبق، وأذاق أهل الصفوة من حلاوة معرفته ما شغلهم عن الكرى والأرق، وأراهم من جمال صفاته ما هيج عندهم القلق، وأنالهم من عاطفته (١) ما جمع وفرق، فربما زال ففني القلب واحترق، وربما عاد فطار (٢) القلب فرحا وانطلق (٣).

وجعل السبل إليه شتى، فمن سار في أوضح من القمر إذا اتسق، ناء عن التقليد لا يخبط عشواء تحت الغسق؛ ومن سابح في بحار المعرفة لكن أحاط به الغرق، فأفناه عن الوجود بحق وأي حق، فغاب ولا عاب (٤) غير أن الحاضر أحق؛ ومن مُصطَلَم (٥) في أوائل مجاهدته أدركته ذرَّةٌ من الحال فصعق.

أمم تتقلب بهم الأحوال، على حسب الإرادة من الكبير المتعال، فيركبون طَبَقًا عن طبق، سائرين إلى من خلق ورزق، ، وتعاظم شانه، وعَذِّبَت بذكره الأفواه، وتاهت في بيداء ألوهيته العقول، وتشرفت بالسجود له الجباه، وغَرِقت في بحار وحدانيته جموع المريدين، وقالوا: لا نعبد إلا إياه، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله.


(١) في ز: (عاطفه).
(٢) في ك: (فطاب).
(٣) في ص: (وأنطق).
(٤) كذا في ظ ١، م، وفي ز: (غان)، وفي بقية النسخ: (غاب).
(٥) الاصطلام: قطع الشيء من أصله. انظر تهذيب اللغة (١٢/ ١٣٩).

<<  <   >  >>