ووقع في زمان أبي العباس ابن القاص أنَّ رجلا حمل متاعا لغيره، فتعرض له في طريقه بعض اللصوص، وأخافه بالقتل إن لم يسلّمه فسلَّمَه، فأفتى ابنُ القاص بأنه يغرم؛ لأنه افتدى نفسه بمال غيره، وهو الصحيح، ذكروه في «الوديعة»، وخالفه أبو جعفر الحناطي والد الحناطي المشهور فقال:«لا غرامة عليه؛ لأنه مكره»، فرأى أبو علي الزجاجي تلميذ ابن القاص رسول الله ﷺ في المنام، فقال له: الصواب ما قال أستاذك ابن أبي أحمد (١).
وبهذاوأشباهه (٢) يتبين لك أنه لا يُعتمد على الفتاوى في الوقائع الجزئيَّة كما يُعتمد على الكتب المصنفة، فإنَّ الفتيا قد تختص بواقعة لأمر ما رآه المفتي فيها، فلا يُلحق بها غيرها (٣)، وقد قدمنا عن الشيخ الإمام ﵀ ما يؤيد ذلك.
وكم من مقالة ضعيفة يختارها العالم في حادثة خاصة، إما لتخفيف أو تغليظ بحسب تقارب (٤) تلك الحادثة أو بشاعتها (٥)، فلا يؤخذ من ذلك ذهابه إلى القول بها مطلقا (٦). (٧)
(١) انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: (٣/ ٦٠). (٢) في ز، ك، ق: (وأمثاله). (٣) جاء في حاشية ظ ١: (قلت: هذا الكلام في غاية الحسن والجودة). (٤) في ظ ٢، ق: (تفاوت). (٥) في ز، ك، ص، ق: (تلك الواقعة وبشاعتها). (٦) في ظ ١، م، س: (القول بذلك الوجه الضعيف على الإطلاق)، والمثبت من بقية النسخ، وأشار في حاشية ظ ١ إلى أنه نسخة. (٧) كذا رقم اللوحة لأنَّ ما يليها مما ألحقه الناسخ من الزيادات، ووقد وقع في آخر المخطوط، مع الإشارة إلى أن هذا موضعه.