فإن قاله كُره وإن قاله النبي ﷺ(١)، انتهى، فَوَاها لها من لفظة خبيثة لم يقصدها لافظها، فإنَّ مقصوده أنه يُكره لنا أن نقولها وإن قال النبي ﷺ:«اللهم صل على آل أبي أوفى»، فذلك لأنه هو لا يكره له ﷺ أن يقول بخلافنا.
وهذا كما أنه لا يحسن منَّا أن نقول: عصى آدم، ولو قلنا ذلك من قِبَلِ أنفسنا، لكنا قد أسأنا الأدب، ويحسن ذلك من الله، ونحن نتلوه قرآنا، والمَلِكُ قد يخاطب عبده بما هو شرفٌ له إذا خاطبه به، ولو خاطبه به غيره لكان مسيئا.
وكذلك قد يمنح المَلِكُ عبده من التعظيم بألفاظ لا نَستَجرِئُ نحن أن نخاطب بها من قبل أنفُسِنا إلا المَلِك، ومن هذا القبيل أنه يحسن من الله ومن النبي ﷺ إطلاق لفظ الرسول عليه (٢)، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [المائدة: ٩٢]، وقوله تعالى: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١]، ونص الشافعي ﵁ على أنه يُكره للواحد منا أن يقول:"قال الرسول"، قال:«وإنما يقول: قال رسول الله ﷺ "، ليكون مُعَظَّما»، رواه الكرابيسي عن الشافعي ﵁، كما نقله العبادي في (الطبقات)(٣).
فقد بان بهذا أنَّ عبارة «التعجيز» - وإن لم يقصد بها إلا جميلا - كلمةٌ خبيثة؛ لأنها ربما أفهمت جهولًا أنه يُكره أن يقول كل أحد لغير الأنبياء الصلاة، ورسول الله ﷺ ممن يكره له وإن وقع منه، وهذا شيء لا يقوله مسلم، ولا اللفظ أيضًا بصريح فيه، ولكنه موهم، وربما أُتِيَ أقوام من سوء التعبير.
= الموصلي، وصاحب «التمييز» هو شرف الدين ابن البارزي. (١) انظر: الوسيط: (٢/ ٤٤٦، ٤٤٥)، الشرح الكبير: (٣/ ١٢، ١٣). (٢) قوله: (عليه) ليس في ظ ١، ظ ١، والمثبت من بقية النسخ. (٣) انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: (٢/ ١٢٦).