للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: عذره أنه استدرك على اللفظ، واللفظ مطلق، كان من حق قائله أن يوضحه ويقيده، وإلا فالشيخ الإمام لا يخفى عليه، ولا على آحاد العوام أنَّ دعوى المرأة الفراق غير مقبولة على زوج حاضر يدعي دوام النكاح، ولا يُظَنُّ مخالفة الرافعي في ذلك، ولا إرادته لهذه الصورة، وإنما الأذكياء يعترضون الألفاظ حيث لا يحرّرها قائلها كما يعترضون المعاني.

ونظير هذا أنَّ ابن أبي عصرون ذكر قول الإمام في المشرك إذا أسلم على أربع فقط: «إنه يثبتُ نكاحهنَّ، ولا مساغ للتخيير؛ لأن إمساك العدد المشروع واجب»، فقال: «هذا مخالف لأصولنا، فإنه لا يجب عليه استدامة نكاحهن، وله طلاقهنَّ كما لو تزوجهنَّ في الإسلام» (١)، ولا يخفى على ابن أبي عصرون - مع علو قدره - أنَّ الإمام لم يُرِدْ ما أَدَّى إليه لفظه من وجوب استدامة النكاح، وأنه إنما أراد ما هو المراد من قوله : «أمسك أربعًا»، وقد تقدم قول الأصحاب هنا بوجوب التعيين، واستدراك الشيخ الإمام فيه، وتكلمنا عليه.

ونظيره قول الرافعي في باب الغصب معترضا على من حَدَّ المثلي بأنه ما يُقسم بين الشريكين من غير حاجة إلى تقويم: بأنه يُشكل بالأرض المتساوية الأجزاء، فإنها تُقسم وليست بمثلية (٢)، ولا يخفى على الرافعي أن الكلام في المنقولات، غير أنه اعترض اللفظ بتخليته مطلقًا غيرَ مُقَيَّدٍ بما يُخرجُ غير المقصود.

وبالجملة: الإرادات لا تدفع الإيرادات، وذوو التحقيق يُحاسبون على الفلتة، ولا يسامحون باللفتة، فهذا بيان عذر الشيخ الإمام ، وقد كان من


(١) انظر: الانتصار بتحقيق: سالم المطيري ص ٦٧٠.
(٢) انظر: الشرح الكبير: (٥/ ٤٢٠).

<<  <   >  >>