من ذلك إلى عمر ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ، لم يكرههم على ذلك، وأباح وادييهم؟ وذلك من أجل أن النحل ذباب غيث؛ كما قال عمر، يسوقه الله رزقاً لمن يشاء من خلقه، فإذا قام بتعاهده وإصلاحه بعض الناس دون بعض، ورأى الإمام أن يأخذ منه شيئاً يعود نفعه على المسلمين ويحميه لهم، فعل ذلك وكان ذلك نظراً منه له ولهم، وعلى ذلك حديث أبي سيارة المتعي أيضاً عندنا».
وقال ابن خزيمة:«هذا الخبر إن ثبت؛ ففيه ما دل على أن بني شبابة إنما كانوا يؤدون من العسل العشر لعلة؛ لا لأن العشر واجب عليهم في العسل، بل متطوعين بالدفع لحماهم الواديين، ألا تسمع احتجاجهم على سفيان بن عبد الله، وكتاب عمر بن الخطاب إلى سفيان، لأنهم إن أدوا ما كانوا يؤدون إلى رسول الله ﷺ أن يحمي لهم وادييهم، وإلا خلى بين الناس وبين الواديين، ومن المحال أن يمتنع صاحب المال من أداء الصدقة الواجبة عليه في ماله إن لم يحمى له ما يرعى فيه ماشيته من الكلأ، وغير جائز أن يحمي الإمام لبعض أهل المواشي أرضاً ذات الكلأ ليؤدي صدقة ماله؛ إن لم يحم لهم تلك الأرض، والفاروق ﵀ قد علم أن هذا الخبر بأن بني شبابة قد كانوا يؤدون إلى النبي ﷺ من العسل العشر، وأن النبي ﷺ كان يحمي لهم الواديين، فأمر عامله سفيان بن عبد الله أن يحمي لهم الواديين، إن أدوا من عسلهم مثل ما كانوا يؤدون إلى النبي ﷺ، وإلا خلى بين الناس وبين الواديين، ولو كان عند الفاروق ﵀ أخذ النبي ﷺ العشر من نحلهم على معنى الإيجاب؛ كوجوب صدقة المال الذي يجب فيه الزكاة؛ لم يرض بامتناعهم من أداء الزكاة، ولعله كان يحاربهم لو امتنعوا من أداء ما يجب عليهم من الصدقة، إذ قد تابع الصديق ﵁ مع أصحاب النبي ﷺ على قتال من امتنع من أداء الصدقة، مع حلف الصديق أنه مقاتل من امتنع من أداء عقال كان يؤديه إلى النبي ﷺ، والفاروق ﵀ قد واطأه على قتالهم، فلو كان أخذ النبي ﷺ العشر من نحل بني شبابة عند عمر بن الخطاب على معنى الوجوب، لكان الحكم عنده فيهم كالحكم فيمن امتنع عند وفاة النبي ﷺ من أداء الصدقة إلى الصديق، والله أعلم».
• وقال الخطابي في المعالم (٢/٤٣): «في هذا دليل على أن الصدقة غير واجبة في العسل، وأن النبي ﷺ إنما أخذ العشر من هلال المتعي إذ كان قد جاء بها متطوعاً، وحمى له الوادي إرفاقاً ومعونة له بدل ما أخذ منه، وعقل عمر بن الخطاب المعنى في ذلك، فكتب إلى عامله يأمره بأن يحمي له الوادي إن أدى إليه العشر؛ وإلا فلا، ولو كان سبيله سبيل الصدقات الواجبة في الأموال لم يخيره في ذلك، وكيف يجوز عليه ذلك مع قتاله في كافة الصحابة مع أبي بكر مانعي الزكاة.
وممن لم ير فيه الصدقة: مالك وابن أبي ليلى، والثوري، والشافعي، وأبو ثور. وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وأوجبها مكحول والزهري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي. وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: في العسل العشر.