فضل الرحيم الودود، ومما قلت هناك: أن الأصل في حديث المدلس الاحتجاج به، حتى يتبين لنا أنه دلسه عن مجروح أو مبهم، فعندئذ يسقط الاحتجاج بهذا الحديث المعين، وقد كان ابن المديني يحتج بحديث ابن إسحاق ويقبل حديثه المعنعن ويراه من صحيح حديثه، حتى يتبين له أنه دلسه، كذلك فقد كان من دلائل تدليس ابن إسحاق، أن يقول في الإسناد: قال، أو ذكر، وهو هنا قد استعمل لفظ الرواية المشهور الدال في أصله على الاتصال، والله أعلم [راجع بحث تدليس ابن إسحاق موسعاً في فضل الرحيم الودود (٩/ ٨١٤/ ٦١)].
فهو حديث حسن.
* ورواه يعقوب بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير [مجهول الحال. جمهرة نسب قريش (٧٦). الجرح والتعديل (٩/ ٢١٧). الكاشف (٦٤٠٧). التهذيب (١٤/ ٨٨٢ - ط دار البر)]، عن عيسى بن معمر [حجازي، روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وضعفه الأزدي، وقال الذهبي:«صالح الرواية». التهذيب (١٠/ ٥٠٤ - ط دار البر)]، عن عباد بن عبد الله، عن أسماء بنت أبي بكر ﵂؛ أن رسول الله ﷺ لما نزل بالعرج جلس بفناء منزله، ثم جاء أبو بكر ﵁ فجلس إلى جنبه، فجاءت عائشة ﵂ فجلست إلى جنبه الآخر، وجاءت أسماء فجلست إلى جنب أبي بكر ﵁، وأقبل غلام أبي بكر متسربلاً، فقال له أبو بكر ﵁: أين بعيرك؟ قال: أضلني، فقام إليه أبو بكر ﵁ يضربه، ويقول: بعير واحدٌ يضلُّ منك؟ فجعل رسول الله ﷺ يتبسم ويقول:«ألا ترون إلى هذا المحرم وما يصنع؟»، وما ينهاه رسول الله ﷺ.
أخرجه الواقدي في المغازي (٣/ ١٠٩٤)، وعنه: ابن سعد في الطبقات (٨/ ٢٠٦).
قلت: تفرد به محمد بن عمر الواقدي، وهو: متروك، متهم، فلا يصلح حديثه في المتابعات والشواهد؛ إلا إذا قلنا بأنه أخباري ينقل الأخبار والتواريخ، وقد كان بعضهم يقبل منه نحو ذلك، وهذا الحديث يغلب عليه أنه من السير والحوادث، والتي يحتمل قبولها من المؤرخين، أمثال الواقدي، فمن هذا الوجه قد يحتمله بعضهم متابعاً لرواية ابن إسحاق، وإلا فإن رواية ابن إسحاق حجة بنفسها، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
• قال ابن ناصر الدين في جامع الآثار (٥/ ٤٩٧): «وقد قيل: إن اسم غلام أبي بكر هذا: عقبة، وأضل البعير بالأثاية، والله أعلم»، قلت: كذا قال، ولم يأت على ذلك بدليل.
* * *
٣١ - باب الرجل يُحرم في ثيابه
١٨١٩ - قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا همام، قال: سمعت عطاء: أخبرنا صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه؛ أن رجلاً أتى النبي ﷺ وهو بالجعرانة وعليه أثر خلوق - أو قال: - صفرة، وعليه جُبَّةٌ، فقال: يا رسول الله!