• ومما يجعلنا نسلم لهم في أحكامهم، ولا ننازعهم فيها:
أ - اطلاعهم على أحوال الرجال، بشكل لا يتسنى لنا اليوم الوقوف عليه.
ب - أنهم ما قبلوا كل أحاديث الثقات؛ بل ردوا ما وهموا فيه، ولا ردوا كل أحاديث الضعفاء ممن خف ضبطهم، وهم في الأصل يشملهم اسم الصدق وتعاطي العلم، بل قبلوا ما حفظوه، فكيف يتساهل البعض بعد ذلك في قبول رواية الثقة مطلقاً، وإن دلت القرائن على وقوع الوهم في روايته، وعدم قبول رواية من كثر وهمه، وإن دلت القرائن على أنه حفظ … .» إلى آخر ما قلت في ذلك.
وبعد هذا كله؛ فقد جاء هذا الحديث من طريق هو أوثق من كل الطرق السابقة عن عمرو بن شعيب مرسلاً، وليس متصلاً:
• فقد روى عباد بن عوام [واسطي، ثقة]، وحماد بن سلمة [بصري، ثقة]، وأبو يوسف القاضي [يعقوب بن إبراهيم: صدوق]:
عن يحيى بن سعيد [الأنصاري المدني: ثقة ثبت]، عن عمرو بن شعيب؛ أن أمير الطائف كتب إلى عمر بن الخطاب: أن أهل العسل منعونا ما كانوا يعطون من كان قبلنا، قال: فكتب إليه: إن أعطوك ما كانوا يعطون رسول الله ﷺ فاحم لهم، وإلا فلا تحمها لهم. قال: وزعم عمرو بن شعيب أنهم كانوا يعطون من كل عشر قرب قربة.
أخرجه أبو يوسف القاضي في الخراج (٦٧ و ٨٣)، وابن أبي شيبة (٢/ ٣٧٣) (١٠٠٥١) (٦/ ٢١٥/ ١٠٣٢٥ - ط الشثري)، والبلاذري في فتوح البلدان (٦٤). [المسند المصنف (١٧/ ١١٦/ ٧٩٩٥)].
وهذا مرسل بإسناد صحيح؛ ولا يثبت عن عمر.
وظاهر صنيع الدارقطني في العلل أنه جنح لترجيح هذه الرواية المرسلة على الرواية المتصلة.
قال الدارقطني في العلل (٢/ ١١٠/ ١٤٧): «هو حديث رواه عبد الرحمن بن الحارث وعبد الله بن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مسنداً، عن عمر.
ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرو بن شعيب مرسلاً، عن عمر».
قال ابن حجر في التلخيص الحبير (٢/ ٣٢٥) تعقيباً على كلام الدارقطني: «فهذه علته، وعبد الرحمن وابن لهيعة: ليسا من أهل الإتقان، ولكن تابعهما عمرو بن الحارث أحد الثقات، وتابعهما أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب عند ابن ماجه وغيره كما مضى»، قلت: أما حديث عمرو بن الحارث فهو غريب، ولا يثبت من حديثه، وأما أسامة بن زيد فلا يحتمل في مثل هذا، وسبق بيانه، وأن المحفوظ فيه قول يحيى بن سعيد الأنصاري مرسلاً، والله أعلم.
• والحاصل: فإن المحفوظ في هذا: إنما هو عن عمرو بن شعيب مرسلاً، والله أعلم.