• قلت: لا يثبت للمخالف حديث في أخذ القيمة في الزكاة [وراجع بعض أدلتهم أيضاً: فيما تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (١٥٦٢)]، فهي إما صحيح غير صريح، أو صريح غير صحيح، وأما حديث معاذ في الباب وما كان في معناه: فهو صالح للعمل به؛ لاعتضاده بعموم أحاديث الصدقات في أخذ زكاة كل جنس من جنسه، فأخذ الحب من الحب، والثمر من الثمر، والشاة من الغنم والإبل من الإبل، والبقر من البقر، والذهب من الذهب والفضة من الفضة.
• روى جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، عن إبراهيم النخعي، قال:«كانوا يستحبون زكاة كل شيء منه؛ الورق من الورق، والذهب من الذهب، والبقر من البقر، والغنم من الغنم».
أخرجه يحيى بن آدم في الخراج (٤١٩)، وابن أبي شيبة (٢/ ٤٠٥/ ١٠٤٤٢).
وهو مقطوع على إبراهيم النخعي بإسناد صحيح.
والحاصل: فإن حديث معاذ بن جبل، أن رسول الله ﷺ بعثه إلى اليمن فقال:«خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم والبعير من الإبل، والبقرة من البقر»: ضعفه يسير؛ لأجل انقطاعه؛ فإن عطاء بن يسار: لم يدرك معاذ بن جبل، ومثل هذا يعتضد بغيره، مثل عموم أحاديث الصدقات في أخذ زكاة كل جنس من جنسه، والله أعلم.
ويمكن أن يعتضد بحديث أبي ذر، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته»، وفي سنده انقطاع أيضاً، وتقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (١٥٦٢).
ووجه اعتضاد حديث معاذ بحديث أبي ذر: أن المراد من حديث أبي ذر أن صدقة الإبل منها، وصدقة الغنم منها، وصدقة البقر منها، وكذلك صدقة البر، تخرج براً، وزكاة الحبوب تكون من نفس الحبوب، ويؤكد هذا المعنى قول الخطابي في شرح حديث معاذ، حيث قال في المعالم (٢/٤٢): «فيه من الفقه: أن الزكاة إنما تخرج من أعيان الأموال وأجناسها، ولا يجوز صرف الواجب منها إلى القيم».
• قال القاضي عبد الوهاب المالكي في الإشراف على نكت مسائل الخلاف (١/ ٣٧٢) في الرد على مذهب أبي حنيفة في استئناف الفريضة: وقال [يعني: في حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب]: «فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون، حتى تبلغ تسعاً وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة، ففيها بنتا لبون وحقة، حتى تبلغ تسعاً وثلاثين ومائة». وهذا نص في موضع الخلاف؛ ولأن ما قبل المائة والعشرين من النصاب أقرب إلى نصاب الغنم مما زاد على المائة والعشرين، فلما لم تُعدّ الشاة هناك؛ كانت بأن لا تعد فيما بعده أولى، ولأن الأصول في الزكاة موضوعة على أخذ الجنس من الجنس، وأنه لا يؤخذ من غيره إلا من ضرورة، فقضاؤنا بأخذ الغنم في أوائل صدقة الإبل إنما هو للضرورة، وهو قلة المال عن المواساة بواحد من الخمس أو العشر، فلما كثرت