الإبل واحتملت أن يؤخذ منها زالت الضرورة بالزيادة، ثم لم يعد فيها بعد المائة وعشرين، فلم يعد أخذ غير الجنس لزوال المعنى الموجب له، ولأن المأخوذ من جنس الشيء آكد حكما من المأخوذ من غير جنسه؛ لأن الأخذ من الجنس هو الأصل ومن غيره ليس بأصل، وإنما هو لمعنى يعرض من ضرورة أو غيرها، فإذا ثبت ذلك ثم وجدنا الجذعة لا تعد مع المائة وعشرين، وهي من جنس الإبل، كانت الغنم التي ليست من الجنس بأن لا تعد أولى، ونقيس بنت مخاض على الجذعة فنقول: إنها سن من الإبل لا يتكرر قبل المائة، فلم يتكرر بعدها كالجذعة.
وقال أبو المظفر السمعاني في الاصطلام في الخلاف بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة (٢/ ٨٠): «المنصوص عليه هو الواجب فلا يجوز غيره.
دليله: كل الواجبات في الشرع، والدليل على أن المنصوص عليه هو الواجب: أن الوجوب علم بالشرع، والشرع ورد بالمنصوص عليه، فلا يجب بالنص إلا ما ورد به النص.
يدل عليه: أن الزكاة إن كانت عبادة فلا يجوز في العبادة إلا ما ورد به التعبد، بدليل الصلاة وأفعالها، فإنه لا يقوم الركوع فيه مقام السجود، ولا السجود مقام الركوع، وكذلك لا يقوم السجود على الخد والذقن مقام السجود على الجبهة، وكذلك في سائر العبادات، ووجه التقريب بين مسألتنا وهذا الأصل: أن الله تعالى إذا وضع عبادته على جارحة بفعل يوجد منها؛ لم تقم جارحة أخرى مقامها، كذلك إذا وضع العبادة على المال وسماه بفعل يوجد منه؛ لم يقم الفعل منه في مال آخر مقامه.
يدل عليه: أن أصل العبادة لا تجب بالتعليل ولا تقبله فكذلك كيفيتها، وإن قلنا: إن الزكاة حق الفقراء، فالحق الواجب للآدمي في عين لا يقوم غيرها مقامها، إلا بسبب شرعي من معاقدة ومعاوضة وغير ذلك.
يدل عليه: أن سبب وجوب الحق: إذا اتصل بمحل يتعلق الوجوب بصورته ومعناه، مثل ما لو أسلم في شيء واشترى شيئا، وكذلك إذا أوصى الإنسان بشاة، أو أوصى بشاة من أربعين من الغنم، أو ببعير من خمس وعشرين من الإبل للفقراء، تعلق حقهم بعين ذلك، كذلك هاهنا».
لكن يستثنى مما سبق حال الضرورة والحاجة:
مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بأوراق نقدية، قبل إخراج الزكاة منها، فهنا يجوز إخراج عشر الثمن من الأوراق النقدية، ويجزئ في هذا الحال للضرورة، ولا يكلف أن يشتري ثمرا أو حبا ليخرجه، وكذلك لو وجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فيكفي إخراج قيمتها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
قال أبو داود في مسائله لأحمد (٥٦٥): «سمعت أحمد سئل عن رجل باع ثمر نخله؟ قال: عشره على الذي باعه، قيل: فيخرج ثمرا أو ثمنه؟ قال: إن شاء أخرج ثمرا، وإن شاء أخرج من الثمن».