للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال في موضع آخر (٤/ ١٣٤): «ثم عجب آخر! وهو احتجاجه بهذين الخبرين فيما ليس فيهما منه شيء، وهو يخالفهما فيما فيهما من أنه: إن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر؛ أفلا يعوق المرء مسكة من الحياء عن مثل هذا؟ والعجب أنهم زادوا كذباً وجرأة وفحشاً فقالوا: معنى قوله : «إن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر»؛ إنما أراد: بقيمة بنت مخاض. وهذا كذب بارد سمج، ولا فرق بينهم في هذا وبين من قال: ما أراد إلا ابن لبون أصهب، أو في أرض نجد خاصة، ومن الباطل الممتنع الذي لا يمكن أصلاً أن يريد النبي أن يعوض مما عدم بالقيمة؛ ويقتصر على ذكر ابن لبون ذكر أيضاً خاصة، والعجب من هؤلاء القوم في تقويلهم النبي ما لم يقل، وإحالة كلامه إلى الهوس والغثاثة والتلبيس، ولا يستجيزون إحالة لفظة من كلام أبي حنيفة عن مقتضاها، … ».

وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى (٢/ ١٣٥): «وابن لبون في هذا على البدل من بنت مخاض؛ لا على القيمة، بدليل أن يجزي عنها، وإن كانت قيمتها أكثر من قيمة ابن اللبون الذي يؤخذ بدلاً منها».

وقال أبو المظفر السمعاني في الاصطلام في الخلاف بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة (٢/ ٧٨): «فقد شرط عدم ابنة مخاض في جواز إخراج ابن اللبون، دل أنه لا يجوز مع وجودها. يبينه: أنه نقل من سن معين إلى سن معين من غير تعرض للقيمة، مع علمه باختلافهما في القيمة عند اختلاف الأزمنة والأمكنة، دل أن الرجوع إلى القيمة ساقط، … » إلى آخر ما قال.

وقال ابن قدامة في المغني (٣/ ٨٨): «وقال النبي : «في أربعين شاة شاة، وفي مائتي درهم خمسة دراهم»، وهو وارد بياناً لمجمل قوله تعالى: ﴿وَآتُوا الزَّكَوةَ﴾ [البقرة: ٤٣] فتكون الشاة المذكورة هي الزكاة المأمور بها، والأمر يقتضي الوجوب. ولأن النبي فرض الصدقة على هذا الوجه، وأمر بها أن تؤدى ففي كتاب أبي بكر الذي كتبه في الصدقات أنه قال: «هذه الصدقة التي فرضها رسول الله ، وأمر بها أن تؤدى». وكان فيه: «في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض، فابن لبون ذكر»، وهذا يدل على أنه أراد عينها لتسميته إياها، وقوله: «فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر»، ولو أراد المالية أو القيمة لم يجز؛ لأن خمساً وعشرين لا تخلو عن مالية بنت مخاض، وكذلك قوله: فابن لبون ذكر، فإنه لو أراد المالية للزمه مالية بنت مخاض، دون مالية ابن لبون. وقد روى أبو داود وابن ماجه، بإسنادهما، عن معاذ، أن النبي بعثه إلى اليمن، فقال: «خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر»، ولأن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير، وشكراً لنعمة المال، والحاجات متنوعة، فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته، ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به، ولأن مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص، فلم يجزئه، كما لو أخرج الرديء مكان الجيد».

<<  <  ج: ص:  >  >>