للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

البخاري هذا الحديث في باب أخذ العرض في الزكاة، فيدل: أنه ذهب إلى هذا التأويل، وأقول: هذا لا يزيل الإشكال؛ لأن ما حبس على جهة معينة تعين صرفه إليها، واستحقه أهل تلك الجهة مضافاً إلى جهة الحبس، فإن كان قد طلب من خالد زكاة ما حبسه، فكيف يمكن من ذلك مع تعين ما حبسه لمصرفه؟ وإن كان قد طلب منه زكاة المال الذي لم يحبسه من العين والحرث والماشية، فكيف يحاسب بما وجب عليه في ذلك، وقد تعين صرف ذلك المحبس إلى جهته؟ [قال الفاكهاني في رياض الأفهام (٣/ ٣٢٩) تعقيباً على هذا الاعتراض: «وهذا إيراد صحيح، لا ينازع فيه منصف»؛ إلا أنه في الأخير رجح تأويل القاضي عياض].

وأما الاستدلال بذلك على أن صرف الزكاة إلى صنف من الثمانية جائز، وأن أخذ القيم جائز: فضعيف جداً؛ لأنه لو أمكن توجيه ما قيل في ذلك؛ لكان الإجزاء في المسألتين مأخوذاً على تقدير ذلك التأويل، وما ثبت على تقدير لا يلزم أن يكون واقعاً إلا إذا ثبت وقوع ذلك التقدير، ولم يثبت ذلك بوجه، ولم يبين قائل هذه المقالة [وفي الإعلام: ولم يتبين بهذه المقالة] إلا مجرد الجواز، والجواز لا يدل على الوقوع، إلا أن يريد القاضي: أنه حجة لمالك وأبي حنيفة على التقدير، فقريب، إلا أنه يجب التنبيه، لأنه لا يفيد الحكم في نفس الأمر، وأنا أقول: يحتمل أن يكون تحبيس خالد لأدراعه وأعتاده في سبيل الله: إرصاده إياه لذلك، وعدم تصرفه بها في غير ذلك، وهذا النوع حبس، وإن لم يكن تحبيساً، ولا يبعد أن يراد مثل ذلك بهذا اللفظ، ويكون قوله: «إنكم تظلمون خالداً» مصروفاً إلى قولهم: منع خالد؛ أي: تظلمونه في نسبته إلى منع الواجب، مع كونه صرف ماله في سبيل الله، ويكون المعنى: أنه لم يقصد منع الواجب، ويحمل منعه على غير ذلك.

السادس: أخذ بعضهم من هذا: وجوب زكاة التجارة، وأن خالداً طولب بأثمان الأدرع والأعتد، قالوا: ولا زكاة في هذه الأشياء، إلا أن تكون للتجارة، وقد استضعف هذا الاستدلال من حيث إنه استدلال بأمر محتمل، غير متعين لما ادعي.

السابع: من قال بأن هذه الصدقة كانت تطوعاً ارتفع عنه هذا الإشكال، ويكون النبي اكتفى بما حبسه خالد على هذه الجهات عن أخذ شيء آخر من صدقة التطوع، ويكون من طلب منه شيئاً آخر - مع ما حبسه من ماله وأعتاده في سبيل الله - ظالماً له في مجرى العادة، وعلى سبيل التوسع في إطلاق اسم الظلم.

قلت: قد استظهر في أول بحثه أن ذلك كان في الصدقة الواجبة، حيث قال: «قوله: بعث عمر على الصدقة؛ الأظهر أن المراد: على الصدقة الواجبة، وذكر بعضهم: أن تكون التطوع، احتمالاً أو قولاً، وإنما كان الظاهر أنها الواجبة لأنها المعهودة، فتصرف الألف واللام إليها، ولأن البعث إنما يكون على الصدقات المفروضة».

قلت: الأقرب من هذه الأقوال: قول من قال بأن خالداً طولب بأثمان الأدرع

<<  <  ج: ص:  >  >>