«العُشْرِ»، إنما أُرِيدُ بهِ التمييزُ بين ما يَجِبُ فيهِ العُشْرُ وما يجب فيهِ نِصْفُه، فذكر النوعين مفرقاً بينهما في مقدار الواجب، وأما مقدار النصاب فسكت عنه في هذا الحديث، وبينه نصاً في الحديث الآخر، فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير ما دل عليه ألبتة، إلى المجمل المتشابه الذي غايته أن يتعلق فيه بعموم لم يقصد، وبيانه بالخاص المحكم المبين كبيان سائر العمومات بما يخصها من النصوص؟ ويالله العجب! كيف يخصون عموم القرآن والسُّنَّة بالقياس الذي أحسن أحواله أن يكون مختلفاً في الاحتجاج به، وهو محل اشتباه واضطراب؟ إذ ما من قياس إلا ويمكن معارضته بقياس مثله أو دونه أو أقوى منه، بخلاف السُّنَّة الصحيحة الصريحة فإنها لا يعارضها إلا سنة ناسخة معلومة التأخر والمخالفة، ثم يقال: إذا خصصتم عموم قوله: «فيما سقت السماء العشر، بالقصب والحشيش ولا ذكر لهما في النص؛ فهلا خصصتموه بقوله: «لا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق»؟، وإذا كنتم تخصون العموم بالقياس فهلا خصصتم هذا العام بالقياس الجلي، الذي هو من أجلى القياس وأصحه على سائر أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة؟ فإن الزكاة الخاصة لم يشرعها الله في مال إلا وجعل له نصاباً كالمواشي والذهب والفضة؟ ويقال أيضاً: هلا أوجبتم الزكاة في قليل كل مال وكثيره عملاً بقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣]، وبقوله ﷺ:«ما من صاحب إبل ولا بقر لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر»، وبقوله:«ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا صفحت له يوم القيامة صفائح من نار»، وهلا كان العموم عندكم مقدماً على أحاديث النصب الخاصة؟ وهلا قلتم: هناك تعارض مسقط وموجب فقدمنا الموجب احتياطاً؟ وهذا في غاية الوضوح، وبالله التوفيق».
• وربما احتج الأحناف على قولهم:
بما روى أبو مطيع البلخي، عن أبي حنيفة، عن أبان بن أبي عياش، عن رجل، عن رسول الله ﷺ قال:«فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بنضح أو غرب نصف العشر، في قليله وكثيره».
لم أقف على من أسنده من هذا الوجه.
قال القاضي عبد الوهاب المالكي في شرح الرسالة (١/ ٣٤٢): «وأما ما رووه عن أنس أن النبي ﷺ قال: «فيما سقت السماء العشر في قليله وكثيره»: فغير معروف ولا محفوظ، وعلى أن طريقه عن رجل مجهول، وليس هو عن أنس، ورواه أبو مطيع البلخي، وهو: مجهول عند أهل النقل، عن أبي حنيفة عن أبان بن أبي عياش، وأبان: ضعيف، عن رجل عن النبي ﷺ، وفي هذا ما لا خفاء به».
وقال ابن الجوزي في التحقيق (٢/٣٦/٩٦٢): «وهذا إسناد لا يساوي شيئاً»[التنقيح] [(٣/٤٨/١٥٢٦)]
وقال ابن الملقن في التوضيح (١٠/ ٥٥٨): «غير محفوظ، وفيه رجل مجهول، وليس