في أن يؤخذ الزكاة من التوابل والأبازير وأعشاب الأدوية، ونحوها مما يتحقق فيه وصف الكيل واليبس والبقاء؛ بينما وصف الأقيتات والادخار هو الوصف القائم في المذكورات الأربعة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب، ووصف الكيل فيها وصف طردي؛ لا تأثير له في الحكم، ولا يرجع على الفقير بالنفع؛ إنما ينتفع الفقير بكل مقتات مدخر؛ لا بكل مكيل يابس باق؛ كما أن وصف الكيل إنما ذكر لبيان النصاب الذي تجب به الزكاة وما كان دونه فلا زكاة فيه؛ فهو وصف طردي بالنسبة لما شرعت له الزكاة من المواساة؛ وذلك بخلاف وصف الأقيتات المناسب لما تقوم به حياة الفقير، وتقدم شيء من بيان ذلك في كلام ابن زنجويه المتقدم، والله أعلم.
والأشبه عندي أن هذه العلة متحققة في التمر والزبيب دون ما عداهما من الثمار، بينما تتعدى هذه العلة في كل ما كان في معنى الحنطة والشعير، مما تقوم به حياة الناس من الأقوات المدخرة، كالأرز والذخن والذرة ونحوها، والله أعلم.
قال القرافي في الذخيرة (٣/ ٧٤): «الكيل وصف طردي فيلغى».
وقال أبو البقاء الدميري في النجم الوهاج في شرح المنهاج (٣/ ١٦٥): «قال: (تختص بالقوت)؛ لأن الأقيتات من الضروريات التي لا حياة بدونه، فلذلك أوجب الشارع فيه حقاً لأرباب الضرورات؛ بخلاف ما يؤكل تنعماً أو تفكهاً.
(والقوت) أشرف النبات، وهو: ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام».
وقال ابن قاضي شهبة في بداية المحتاج في شرح المنهاج (١/ ٤٩٦): «(تختص بالقوت)؛ لأنه الصالح من النبات للمواساة [وانظر أيضاً: تحفة المحتاج (٣/ ٢٣٩)، مغني المحتاج (٢/ ٨١)].
وقال نحوه الرملي في نهاية المحتاج (٣/ ٧٠)، وقال:«خرج به: ما يؤكل تداوياً، أو تنعماً، أو تأدماً؛ كالزيتون، والزعفران، والورس، وعسل النحل، والقرطم، وحب الفجل، والسمسم، والبطيخ، والكمثرى، والرمان، وغيرها».
وقال الشنقيطي في أضواء البيان (٢/ ٢٦٥): «وأما الحبوب فيوجد فيها الأقيتات والادخار، فإلحاقا [يعني: مالكاً والشافعي] بالحنطة والشعير كل ما كان مقتاتاً مدخراً، كالأرز، والذرة، والذخن، والقطاني، ونحو ذلك، فهو إلحاق منهما رحمهما الله للمسكوت بالمنطوق؛ بجامع العلة التي هي عندهما الأقيتات والادخار؛ لأن كونه مقتاتاً مدخراً مناسب لوجوب الصدقة فيه؛ لاحتياج المساكين إلى قوت يأكلون منه ويدخرون».
فإن قيل: كان التين بالمدينة والطائف يؤكل للتفكه ولم يكن قوتاً، فيقال: فما تقول فيمن يتخذه قوتاً، قال أبو الوليد الباجي الأندلسي في المنتقى (٢/ ١٧١): فأما التين فإنه عندنا بالأندلس قوت»؛ فكان في جوابه عن ذلك: أن حكم الزكاة متعلق بالتين قياساً على الزبيب والتمر، وإن لم يكن التين مقتاتاً بالمدينة، فلما ألحق العلماء بالحنطة والشعير ما أشبه ذلك من الحبوب كالأرز بالعراق والذرة باليمن؛ فكذلك يمكن إلحاق التين بالتمر