أعرف اليوم أحدا يقوله من أهل الحجاز ولا العراق، وليس يمكن في النظر أيضا أن يكون ذلك، وكيف تجب الصدقة في الفرع، وهي ساقطة عن الأصل؟ وإنما الفروع مبنية على الأصول، تابعة لها، وهل الخضر - إذا كانت لا تجب فيها صدقة بأعيانها - إلا كالعروض والرقيق التي لا صدقة في شخوصها؟ فهل تكون الصدقة في أثمانها إذا بيعت إلا بعد الحول من يوم تقبض كما قال مالك؟ وهو قول سفيان وأهل العراق؛ أن لا صدقة في أثمانها حتى يحول عليها الحول.
ثم قال:«وكذلك الزيتون عندي لا صدقة فيه مثلها [يعني: الخضراوات]؛ لأنه بها أشبه منه بالأطعمة التي من رسول الله ﷺ فيها الصدقة من البر، والشعير، والتمر، والزبيب، ولا أراه أيضا يشبه القطاني التي أوجب فيها الصدقة من أوجبها؛ لأن تلك يابسة تدخر، وهذا رطب يفسد ويتغير، فإن كان يشبه منها شيئا فليس هو بشيء أشبه منه بالسمسم، وذلك أنهما جميعا تؤكل ثمرتهما، ويؤتدم بعصيرهما.
وقد بعث رسول الله ﷺ معاذا إلى اليمن وهو معدن السمسم؛ فلم يبلغنا أنه أمره في حبه، ولا دهنه بشيء.
وكذلك الزيت، لم يأتنا عنه ﷺ أنه أوجب فيه شيئا، وقد كان يعرفه ويستحبه في طعامه، ويأمر بالادهان به فيما يروى عنه، وقد نزل ذكره في القرآن، فلم يسن فيه رسول الله ﷺ سنة علمناها، ولا ذكره في شيء من كتب صدقاته حين ذكر الثمار، وعشور الأراضين.
فالزيتون عندنا مما عفا عنه، كعفوه عن الخضراوات والفواكه، ولا صح مع هذا عن أحد من الأئمة بعده فيه شيء».
• قلت: وهذا تقرير وتحرير جيد؛ إلا أني سبق أن دللت على أن الحصر الوارد في حديث موسى بن طلحة عن كتاب معاذ، وفي حديث أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ؛ إنما كان يختص بأهل اليمن دون غيرها من البلدان، لكن يدخل معهم من كان غالب قوته هذه الأربع، فلما وجدنا عمر بن عبد العزيز أخذ الزكاة من القطاني مع اقتفائه أثر الخلفاء في صدقاتهم، وزاد ابن عمر السلت مع الأربع: دل ذلك على أن العمل على إخراج الزكاة من المقتات المدخر الذي هو غالب قوت الناس، ولذلك فإن أبا عبيد لم يجدا بدا من إلحاق الذرة والسلت بالحنطة والشعير، وهو الصواب، وعليه: فإنا نوافق مالكا والشافعي وأبا عبيد ومن تبعهم، على أن لا زكاة في الثمار عدا التمر والزبيب، أما الحنطة والشعير فيقاس عليهما ما كان في معناهما من الاقتيات والادخار مما تقوم به حياة الفقير، مثل: الذرة والدخن والأرز، وكذلك القطنية، مثل: العدس والفول واللوبيا والحمص ونحوها، وهي كما قال ابن زنجويه:«من معايش الناس الذي يتعيشون به، ومن طعامهم الذي ييبسون ويدخرون».
• وقال صالح بن أحمد في مسائله لأبيه (٣١٤): قلت: ما تقول فيما أخرجت