للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يأخذ إلا من الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والبر والشعير والنخل والكرم؟ وإنك إذا تدبرت ذلك وجدته أربعة أصناف: العين والماشية والثمار والحرث، ثم وجدته قد أخذ من كل صنف من الأربعة من أغلبه وأكثره، وعفا عما يتبعه من صنفه وإن كان شبيهاً به، ألا ترى أنه حين أخذ من العين، أخذ من الدنانير والدراهم، وسكت عن حلي النساء، وحلية السيوف والسروج واللجم والخواتيم، وغير ذلك؟ وهو يعلم أن في ذلك ذهباً وفضة، كما الدراهم فضة والدنانير ذهب وأخذ من المواشي، فأخذ من سوائم الإبل والبقر والغنم، ولم يعرض لسوائم الخيل والبغال والحمير، وأخذ من الثمار، فأخذ من النخل والكرم، وأعرض عما سوى ذلك من أنواع الثمار، فكذلك أخذه الصدقة من البر والشعير، وإعراضه عن سائر أصناف الحبوب، إنما هو عفو منه عنها، كسائر ما عفا عنه من توابع الأصناف التي ذكرنا، وذلك لأن الصدقة حق فرضه الله للفقراء في فضول أموال الأغنياء ليعيشوا به مع الأغنياء، فأخذها رسول الله من الدنانير والدراهم، لأنهما الثمن لجميع الأشياء في الآفاق، وهما مع ذلك جل أموال أهل الذهب والفضة، وسكت عما يتبعهما من حلي النساء، وحلية السيوف والسروج واللجم والخواتيم، لأنها ليست بثمن لشيء من الأشياء، وإنما هي عروض تباع، ولباس يلبس ويبدل، وزينة يتزين بها، ولا يجمع الناس منها ما يجمعون من الدراهم والدنانير، وأخذ من سوائم الإبل والبقر والغنم؛ لأن الله جعل لحومها وألبانها معايش للناس، وهي مع ذلك جل أموال الماشية؛ ليعيش الفقراء مع الأغنياء، وأعرض عما سواها من الخيل والبغال والحمير، من أجل أنها خلقت متاعاً وزينة، يركبه الناس ويتزينون بها، ويتعاورونها بينهم، ولا يتخذون منها ما يتخذون من الإبل والبقر والغنم، وأخذ في الثمار من النخل والكرم، لأنهما جل أموال أهل الثمار، وهما مع ذلك من معايش الناس الذي يتعيشون به، ومن طعامهم الذي ييبسون ويدخرون، وأعرض عما سوى ذلك من أنواع الثمار، وإن كان منها ما ييبس مثل الجوز، واللوز، والخوخ، والتين والتفاح، وما أشبه ذلك لقلتها وسرعة فنائها، ولأن الناس لا يتخذون شيئاً منها للمعاش، وإنما يتخذونها للشهوات، وأخذ من الحرث، فأخذ من البر والشعير، لأنهما الغالب على طعام الناس وأعلافهم في عامة الأمصار، وهما مع ذلك أكثر أموال أهل الحرث، وسكت عن سائر أصناف الحبوب عفواً منه، كعفوه عما عفا عنه من توابع الأصناف التي ذكرنا، وإن كان في الناس من الغالب على طعامه الأرز، ومنهم من الغالب على طعامه الذرة، فإن البر والشعير أكثر من ذلك كله، وأغلبه على طعام الناس». وقال أبو عبيد في الأموال (١٥٢٠): «فالعلماء اليوم مجمعون - من أهل العراق والحجاز والشام - على أن: لا صدقة في قليل الخضر ولا في كثيرها، إذا كانت في أرض العشر، وكذلك الفواكه عندهم، وإنما اختلفوا في غيرها من الحبوب والقطاني، وقد ذكرنا اختلافهم في موضعه، إلا أن بعض الماضين كان يرى في أثمانها الصدقة إذا بيعت». ثم رد هذا القول الأخير بأن صدقتها في أثمانها حين تباع، فقال: «وهذا القول لا

<<  <  ج: ص:  >  >>