وقال أبو عبيد:«وبهذا القول [يعني: الأربعة المذكورة في الأثر] كان يأخذ ابن أبي ليلى، وسفيان بن سعيد، أن الصدقة لا تجب في شيء مما تخرج الأرض، إلا في هذه الأربعة الأصناف، على ما سنَّ رسول الله ﷺ، وأمر به معاذاً، ثم قاله ابن عمر، وقد روي مثله عن أبي موسى الأشعري أيضاً. يروى ذلك عن سفيان الثوري، عن طلحة بن يحيى، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري.
وبه أفتى الحسن، وابن سيرين.
وقد قال قوم أئمة سوى هذا القول، فزادوا في هذه الأصناف، ونقصوا منها.
فممن زاد: ابن عباس، وإبراهيم، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، والزهري، والأوزاعي، ومالك بن أنس، وأهل العراق، غير ابن أبي ليلى، وسفيان، ومن قال بقولهما.
وكان ممن نقص منها: شريح، والشعبي».
ثم أسند كل قول إلى صاحبه، ثم قال:«فأما الذين لم يروا الصدقة إلا في الحنطة والشعير والنخل والعنب، فإنهم قصدوا قصد الأثر، فاتبعوه، ولم يعدوه إلى غيره بزيادة ولا نقصان، وأما الذين زادوا فيها السلت والذرة خاصة، فإنهم ذهبوا إلى أنهما من جنس الحنطة، وإن كانت لها فضيلة عليهما في الطعم.
يحقق ذلك لهم ما روي عن سعد بن أبي وقاص أنه سئل عن السلت بالبيضاء، فكرهه.
فلهذا قال أهل المدينة: لا يجوز بيع السلت بالحنطة والشعير، إلا مثلاً بمثل؛ لأنها ثلاثتها عندهم نوع واحد. وكذلك الذرة عند ناس من الناس، هي عندهم من الحنطة؛ لأنها قوت كثير من هذا الخلق، من السودان وغيرهم، لا يعيشهم سواه».
ثم ذكر قصد من أوجبها في الحبوب كلها، أو نقص منها العنب، إلى أن قال:«إلا أن الذي أختار من ذلك: الاتباع لسنة رسول الله ﷺ، أنه لا صدقة إلا في الأصناف الأربعة التي سماها وسنها، مع قول من قاله من الصحابة والتابعين، ثم اختيار ابن أبي ليلى وسفيان إياه؛ وذلك أن النبي ﷺ حين خص هذه بالصدقة وأعرض عما سواها، قد كان يعلم أن للناس أموالاً مما تخرج الأرض، فكان تركه ذلك عندنا عفواً منه، كعفوه عن صدقة الخيل والرقيق، وإنما يحتاج إلى النظر والتشبيه والتمثيل إذا لم توجد سنة قائمة، فإذا وجدت السُّنَّة لزم الناس اتباعها، فكان حديث موسى بن طلحة مع هذا - وإن لم يكن مسنداً - لنا إماماً مع من اتبعه من الصحابة والتابعين، إذ لم نجد عن النبي ﷺ ما هو أثبت منه وأتم إسناداً يردّه».
وتبعه على ذلك ابن زنجويه في الأموال (٣/ ١٩٠)، ثم زاد عليه فقال: «مع أن التمسك بالسُّنَّة في ذلك أصح عندنا في مذهب الرأي والقياس من تشبيه من شبه، وتمثيل من مثل بخلافها؛ ألا ترى أن الله جل ثناؤه لما قال لنبيه: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ [التوبة: ١٠٣] لم