ثم قال: «ما جمع [يعني: من الأوصاف]: أن يزرعه الأدميون، وييبس، ويذخر، ويقات؛ مأكولا؛ خبزا، أو سويقا، أو طبيخا: ففيه الصدقة.
ويروى عن رسول الله ﷺ أنه أخذ الصدقة من الحنطة، والشعير، والذرة.
وهكذا كل ما وصف: يزرعه الأدميون، ويقتاتونه، فيؤخذ من العلس وهو حنطة، والدخن، والسلت، والقطنية كلها؛ حمصها، وعدسها، وفولها، ودخنها؛ لأن كل هذا يؤكل خبزا وسويقا، ويزرعه الأدميون».
وقال في اختلاف العراقيين من (الأم) (٨/ ٣٣٤): «وليس في الخضر زكاة، والزكاة فيما اقتيت ويبس وادخر، مثل: الحنطة والذرة والشعير والزبيب، والحبوب التي في هذا المعنى، التي ينبت الناس».
وقال في الرسالة (١٨٩): «وكان للناس زرع وغراس، فأخذ رسول الله ﷺ من النخل والعنب الزكاة بخرص غير مختلف ما أخذ منهما، وأخذ منهما معا العشر إذا سقيا بسماء أو عين، ونصف العشر إذا سقيا بغرب.
وقد أخذ بعض أهل العلم من الزيتون، قياسا على النخل والعنب.
ولم يزل للناس غراس غير النخل والعنب والزيتون كثير، من الجوز واللوز والتين وغيره، فلما لم يأمر رسول الله ﷺ بالأخذ منه، استدللنا على أن فرض الله الصدقة فيما كان من غراس: في بعض الغراس دون بعض.
وقد حفظنا عن رسول الله ﷺ أخذ الناس الحنطة والشعير والذرة، وأصنافا سواها، فحفظنا من الدخن والسلت والعلس والأرز، وكل ما نبته الناس وجعلوه قوتا، خبزا وعصيدة وسويقا وأدما، مثل الحمص والقطاني، فهي تصلح خبزا وسويقا وأدما؛ اتباعا لمن مضى، وقياسا على ما ثبت أن رسول الله ﷺ أخذ منه الصدقة، وكان في معنى ما أخذ النبي ﷺ، لأن الناس نبتوه ليقتاتوه.
وكان للناس نبات غيره، فلم يأخذ منه رسول الله ﷺ، ولا من بعد رسول الله ﷺ علمناه، وذلك مثل الثفاء والأسبيوش والكسبرة وحب العصفر، وما أشبهه، فلم تكن فيه زكاة؛ فدل ذلك على أن الزكاة في بعض الزرع دون بعض».
ونقل القرطبي في تفسيره (٧/ ١٠٣) ملخصا كلام الشافعي، فقال: «وقال الشافعي: لا زكاة في شيء من الثمار غير التمر والعنب، لأن رسول الله ﷺ أخذ الصدقة منهما وكانا قوتا بالحجاز يدخر. قال: وقد يدخر الجوز واللوز ولا زكاة فيهما، لأنهما لم يكونا بالحجاز قوتا فيما علمت، وإنما كانا فاكهة. ولا زكاة في الزيتون، لقوله تعالى: ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ﴾ [الأنعام: ٩٩] فقرنه مع الرمان، ولا زكاة فيه. وأيضا فإن التين أنفع منه في القوت، ولا زكاة فيه».
وانظر: الحاوي للماوردي (٣/ ٢٣٨)، المسالك شرح الموطأ (٤/ ١٠٩)، البيان للعمراني (٣/ ٢٢٩ و ٢٥٦).