وقال ابن القصار:«لم ينقل عن النبي ﷺ أحد بالحجاز أنه أخذ من البقول والفواكه الزكاة، ومعلوم أنها كانت عندهم بالمدينة، وأهل المدينة متفقون على ذلك، عاملون به إلى وقتنا هذا، ومحال أن يكون في ذلك زكاة ولا تؤخذ مع وجود هذه الأشياء عندهم، وحاجتهم إليها، ولو أخذ منها مرة واحدة لم يجز أن يذهب عليهم، حتى يطبقوا على خلافه إلى هذه الغاية» [شرح ابن بطال (٣/ ٥٣٢)].
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في الإشراف على نكت مسائل الخلاف (١/ ٣٩٦): «لا زكاة في الفواكه والخضر، خلافاً لأبي حنيفة، لأنه إجماع أهل المدينة نقلاً؛ لأن الخضر قد كانت على عهد رسول الله ﷺ والأئمة بعده، فلم ينقل أنه طالبهم بزكاة عنها، ولو كان ذلك قد وقع لم يغفل نقله؛ ولأنه من الأمور العامة التي تمس الحاجة إلى علمها».
وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (٧/ ١٠١): «القاطع المعلوم ما ذكره ابن بكير في أحكامه: أن الكوفة افتتحت بعد موت النبي ﷺ وبعد استقرار الأحكام في المدينة، أفيجوز أن يتوهم متوهم أو من له أدنى بصيرة، أن تكون شريعة مثل هذه عطلت فلم يعمل بها في دار الهجرة ومستقر الوحي ولا في خلافة أبي بكر، حتى عمل بذلك الكوفيون؟ إن هذه المصيبة فيمن ظن هذا وقال به!».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:«والتحقيق في مسألة إجماع أهل المدينة: أن منه ما هو متفق عليه بين المسلمين، ومنه ما هو قول جمهور أئمة المسلمين، ومنه ما لا يقول به إلا بعضهم. وذلك أن إجماع أهل المدينة على أربع مراتب: الأولى: ما يجري مجرى النقل عن النبي ﷺ، مثل نقلهم لمقدار الصاع والمد، وكترك صدقة الخضراوات والأحباس، فهذا مما هو حجة باتفاق العلماء» [مجموع الفتاوى (٢٠/ ٣٠٣)]. [انظر: البيان والتحصيل (١٧/ ٣٣٢)، المقدمات الممهدات (٣/ ٤٨١)، القواعد النورانية (١٣٢)، إعلام الموقعين (٤/ ٢٦٨)، البحر المحيط (٦/ ٤٤١)].
وقال الشنقيطي في أضواء البيان (٢/ ٢٦٦): «أما دليل الجمهور، منهم: مالك، والشافعي، وأحمد ﵏؛ على أن الفواكه والخضراوات لا زكاة فيها فظاهر؛ لأن الخضراوات كانت كثيرة بالمدينة جداً، والفواكه كانت كثيرة بالطائف، ولم ينقل عنه ﷺ ولا عن أحد من أصحابه أنه أخذ الزكاة من شيء من ذلك».
وأخيراً: فإن أخذ الزكاة من القطنية في عهد عمر بن عبد العزيز، وكذلك زيادة السلت في قول ابن عمر: دليل على عدم الحصر، وإنما كان الحصر في: الحنطة والشعير والتمر والزبيب خاصاً باليمن في وقت كان بها: معاذ وأبو موسى، لكون هذه الأربعة هي غالب أقواتهم.
فإن غلب على بلد آخر غير هذه الأقوات أخذت منها الزكاة كالدخن والذرة والأرز ونحوها، أو كالقطنية من الحمص والعدس والفول واللوبيا ونحوها، والله أعلم.