فَهِمَ فَهْمَهُ موسى بن طلحة من كتاب النبي ﷺ لمعاذ حين بعثه إلى اليمن، وأمره أن يأخذ الصدقة من: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، فدل الحديث بمفهومه: أن لا صدقة في الخضراوات؛ إذ كانت تزرع باليمن.
وقد قال بذلك جماعة من التابعين، منهم: موسى بن طلحة، ومجاهد، والشعبي، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والحكم بن عتيبة.
والخضراوات يُعْنى بها: الفاكهة والبقول، وما ليس له ثمرة باقية، والفواكه: كالتفاح والرمان والكمثرى والخوخ والموز والتوت والتين والمشمش وغيرها، وما يجري مجراها كالجوز واللوز والفستق والبندق، والبقول: كالكراث والكرفس والفجل والسلق والكزبرة والجرجير والثوم والبصل ونحوها، ويُقام مقامها الخُضَر، مثل: القثاء والخيار والبطيخ الأصفر والأخضر واليقطين واللفت والجزر والقنبيط [والعامة تقول: قَرْنَبِيط] والكرنب والباذنجان والملوخية والبامية والرجلة ونحو ذلك، وكذلك الزهور: كالورد والبنفسج والنرجس ونحوها.
• قال البيهقي في السنن (٤/ ١٢٩) بعد أن أسند الحديث من طريق موسى بن طلحة، ومجاهد، والحسن، والشعبي:«هذه الأحاديث كلها مراسيل؛ إلا أنها من طرق مختلفة، فبعضها يؤكد بعضاً، ومعها رواية أبي بردة عن أبي موسى، وقد مضت في باب النخل، ومعها قول بعض الصحابة ﵃».
وقد ترجم للباب بقوله:«باب الصدقة فيما يزرعه الآدميون، وييبس ويدخر ويقتات، دون ما تنبته الأرض من الخضر».
وقال في المعرفة (٦/ ١٢٦/ ٨٢٣٥): «وكل ذلك مرسل، والاعتماد على حديث أبي موسى، وما أشرنا إليه من شواهده، وهذه المراسيل أيضاً».
قلت: قد دل مفهوم الأحاديث والآثار المتقدمة على ترك أخذ الزكاة من الخضراوات، ولو فرضنا عدم ثبوت شيء في عدم أخذ الزكاة من الخضر والبقول، لكان عدم النقل كاف في إثبات السُّنَّة في عدم الأخذ، لكون ذلك مما تتوفر الهمم والدواعي لنقله، فلما لم ينقل، علمنا أنه لم يقع.
قال مالك في الموطأ (٧٤٩ - ٧٥٠): «السُّنَّة التي لا اختلاف فيها عندنا، والذي سمعت من أهل العلم: أنه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة: الرمان والفرسك والتين، وما أشبه ذلك، وما لم يشبهه؛ إذا كان من الفواكه». وقال مالك:«ولا في القضب ولا في البقول كلها صدقة، ولا في أثمانها إذا بيعت صدقة؛ حتى يحول على أثمانها الحول من يوم بيعها، ويقبض صاحبها ثمنها».
وقال ابن رشد:«يأتي إسقاط الزكاة من الخضر والبقول؛ مع وجوب الزكاة فيها بعموم قول النبي ﷺ: فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر؛ لأنا أنزلنا ترك نقل أخذ النبي ﷺ الزكاة منها كالسُّنَّة القائمة في أن لا زكاة فيها» [البيان والتحصيل (١/ ٣٩٣)، الموافقات (٣/ ١٦٢)].