وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٣/ ٢٣٧) تعليقاً على أثر مالك: «ففي إباء أبي عبيدة وعمر في الأخذ من أهل الشام ما ذكروا عن رقيقهم وخيلهم: دلالة واضحة أنه لا زكاة في الرقيق ولا في الخيل، ولو كانت الزكاة واجبةً في ذلك ما امتنعا من أخذ ما أوجب الله عليهم أخذه لأهله ووضعه فيهم، فلما ألحوا على أبي عبيدة في ذلك، وألح أبو عبيدة على عمر، استشار الناس في أمرها، فرأى أن أخذها منهم عمل صالح له ولهم، على ما شرط أن يردها عليهم؛ يعني: على فقرائهم، ومعنى قوله: وارزق رقيقهم؛ يعني: الفقير منهم، والله أعلم، وقيل في معنى وارزق رقيقهم؛ عبيدهم وإماءهم؛ أي: ارزقهم من بيت المال، واحتج قائلو هذا القول بأن أبا بكر الصديق كان يقرض للسيد وعبده من الفيء، وكان عمر يقرض للسيد وللعبد، وسلك سبيلهما في ذلك الخليفة بعدهما، وهذا الحديث يعارض ما روي عن عمر في زكاة الخيل، ولا أعلم أحداً من فقهاء الأمصار أوجب الزكاة في الخيل إلا أبا حنيفة فإنه أوجبها في الخيل السائمة، فقال: إذا كانت ذكوراً وإناثاً ففيها الصدقة في كل فرس، وإن شاء قومها، وأعطى من كل مائتي درهم خمسة دراهم، وحجته ما يروى عن عمر في ذلك».
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٤/ ٢١٥): «هذا يدل على ضعف قوله؛ لأن المواشي التي تجب فيها الزكاة لا يجوز تقويمها عند أحد من أهل العلم، وحجة من لم يوجب الزكاة في الخيل: قوله ﷺ: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة»، … ، وروى علي عن النبي ﷺ أنه قال:«عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق»، … »، إلى أن قال:«وبذلك قال علماء التابعين وفقهاء المسلمين؛ إلا ما ذكرنا من قول أبي حنيفة، وهو قول ضعيف».
وقال ابن قدامة في المغني (٢/ ٤٦٤): «وأما عمر: فإنما أخذ منهم شيئاً تبرعوا به، وسألوه أخذه، وعوضهم عنه برزق عبيدهم، … »، فذكر الأثر، ثم قال:«فصار حديث عمر حجة عليهم من وجوه؛ أحدها قوله: ما فعله صاحباي؛ يعني: النبي ﷺ وأبا بكر، ولو كان واجباً لما تركا فعله الثاني: أن عمر امتنع من أخذها، ولا يجوز له أن يمتنع من الواجب الثالث: قول علي: هو حسن إن لم يكن جزية يؤخذون بها من بعدك. فسمى جزية إن أخذوا بها، وجعل حسنه مشروطاً بعدم أخذهم به، فيدل على أن أخذهم بذلك غير جائز. الرابع: استشارة عمر أصحابه في أخذه، ولو كان واجباً لما احتاج إلى الاستشارة. الخامس: أنه لم يشر عليه بأخذه أحد سوى علي بهذا الشرط الذي ذكره، ولو كان واجباً لأشاروا به السادس: أن عمر عوضهم عنه رزق عبيدهم، والزكاة لا يؤخذ عنها عوض.
ولا يصح قياسها على النعم؛ لأنها يكمل نماؤها، وينتفع بدرها ولحمها، ويضحى بجنسها، وتكون هدياً، وفدية عن محظورات الإحرام، وتجب الزكاة من عينها، ويعتبر كمال نصابها، ولا يعتبر قيمتها، والخيل بخلاف ذلك».