ثم قال:«فسُّنَّة النبي ﷺ في أن: ليس في أربع من الإبل صدقة إلا أن يشاء ربها»، وقوله في الغنم:«فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة واحدة، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن إلا تسعين ومائة، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، دلالة على أن صاحب المال إن أعطى صدقة من ماله، وإن كانت الصدقة غير واجبة في ماله، فجائز للإمام أخذها إذا طابت نفس المعطي، وكذلك الفاروق لما أعلم القوم أن النبي ﷺ والصديق قبله لم يأخذا صدقة الخيل والرقيق، فطابت أنفسهم بإعطاء الصدقة من الخيل والرقيق متطوعين؛ جاز للفاروق أخذ الصدقة منهم، كما أباح المصطفى ﷺ أخذ الصدقة مما دون خمس من الإبل، ودون أربعين من الغنم، ودون مائتي درهم من الورق».
وقال ابن المنذر في الإشراف (٣/٢٥): «ثبت أن رسول الله ﷺ قال: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة».
واختلفوا في صدقة الخيل:
فقال كثير منهم: لا صدقة فيها، روينا هذا القول عن علي، وابن عمر، وبه قال: الشعبي، وعطاء، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي، والحكم، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد وإسحاق، وأبو ثور، وأبو أيوب، وأبو خثيمة، وأبو بكر بن أبي شيبة، ويعقوب، ومحمد بن الحسن، واحتجوا بحجتهم بظاهر هذا الحديث، وبقوله:«عفوت عن الخيل والرقيق»، وبأن الخلفاء الراشدين لم يكونوا يأخذون منها صدقة، ولم يكن في كتب عهودهم.
وقال حماد بن أبي سليمان فيها صدقة. وقال النعمان: في الخيل الإناث والذكور التي يطلب نسلها في كل فرس دينار، وإن شئت قوّمتها دراهم فجعلت في كل مائتي درهم خمسة دراهم».
وقال الطحاوي في شرح المعاني (٢/٢٩): «فلما لم يكن في شيء مما ذكرنا من هذه الآثار؛ دليل على وجوب الزكاة في الخيل السائمة، وكان فيها ما ينفي الزكاة منها، ثبت بتصحيح هذه الآثار قول الذين لا يرون فيها زكاة، ثم نقض علة أبي حنيفة في إيجاب الزكاة في سائمة الخيل، واستعمل قياس الشبه في إلحاق الخيل بالحمير والبغال بجامع الحافر، بخلاف سائمة المواشي، كما نقض علة أبي حنيفة في عدم إيجاب الزكاة في الخيل السائمة حتى تكون ذكوراً وإناثاً، يلتمس منها صاحبها نسلها، وأنها لا تجب الزكاة في ذكورها خاصة، ولا في إناثها خاصة، وأن هذا منتقض في زكاة المواشي، فلزم التسوية؛ فكما لم تجب في الذكور وحدها، ولا في الإناث وحدها، لزم سقوط الزكاة عنها مجتمعة، إذ لا فرق، إلى أن قال: فثبت بذلك أن لا زكاة في الخيل، كما لا زكاة في الحمير والبغال، وهذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، وهو أحب القولين إلينا»، والله أعلم.