للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وراجع في الموضع المشار إليه: بقية نقول العلماء في هذه المسألة.

ومما يحسن نقله في هذا الموضع، وإن كان سبق نقل بعضه في موضع سابق:

ما قال ابن القيم في إعلام الموقعين (٢/ ٦٨): «والفرق بين الخيل والإبل: أن الخيل تراد لغير ما تراد له الإبل؛ فإن الإبل تراد للدر والنسل والأكل وحمل الأثقال والمتاجر والانتقال عليها من بلد إلى بلد، وأما الخيل فإنما خلقت للكر والفر والطلب والهرب، وإقامة الدين، وجهاد أعدائه.

وللشارع قصد أكيد في اقتنائها وحفظها والقيام عليها، وترغيب النفوس في ذلك بكل طريق، ولذلك عفا عن أخذ الصدقة منها؛ ليكون ذلك أرغب للنفوس فيما يحبه الله ورسوله من اقتنائها ورباطها، وقد قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُم مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ [الأنفال: ٦٠]، فرباط الخيل من جنس آلات السلاح والحرب، فلو كان عند الرجل منها ما عساه أن يكون ولم يكن للتجارة لم يكن عليه فيه زكاة، بخلاف ما أعد للنفقة؛ فإن الرجل إذا ملك منه نصابا ففيه الزكاة، وقد أشار النبي إلى هذا بعينه في قوله: «قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة»؛ أفلا تراه كيف فرق بين ما أعد للإنفاق وبين ما أعد لإعلاء كلمة الله ونصر دينه وجهاد أعدائه؟ فهو من جنس السيوف والرماح والسهام، وإسقاط الزكاة في هذا الجنس من محاسن الشريعة وكمالها».

ثم قال (٢/ ٦٩): «وأما قوله: أوجب في الذهب والفضة والتجارة ربع العشر، وفي الزروع والثمار نصف العشر أو العشر، وفي المعدن الخمس: فهذا أيضا من كمال الشريعة ومراعاتها للمصالح؛ فإن الشارع أوجب الزكاة مواساة للفقراء، وطهرة للمال، وعبودية للرب، وتقربا إليه بإخراج محبوب العبد له وإيثار مرضاته.

ثم فرضها على أكمل الوجوه، وأنفعها للمساكين، وأرفقها بأرباب الأموال؛ ولم يفرضها في كل مال، بل فرضها في الأموال التي تحتمل المواساة، ويكثر فيها الربح والدر والنسل، ولم يفرضها فيما يحتاج العبد إليه من ماله ولا غنى له عنه كعبيده وإمائه ومركوبه وداره وثيابه وسلاحه، بل فرضها في أربعة أجناس من المال: المواشي، والزروع والثمار، والذهب والفضة، وعروض التجارة؛ فإن هذه أكثر أموال الناس الدائرة بينهم، وعامة تصرفهم فيها، وهي التي تحتمل المواساة، دون ما أسقط الزكاة فيه، ثم قسم كل جنس من هذه الأجناس بحسب حاله وإعداده للنماء: إلى ما فيه الزكاة، وإلى ما لا زكاة فيه.

فقسم المواشي إلى قسمين: سائمة ترعى بغير كلفة ولا مشقة ولا خسارة، فالنعمة فيها كاملة، والمنة بها وافرة، والكلفة فيها يسيرة، والنماء فيها كثير؛ فخص هذا النوع بالزكاة، وإلى معلوفة بالثمن أو عاملة في مصالح أربابها في دواليهم وحروثهم وحمل أمتعتهم؛ فلم يجعل في ذلك زكاة؛ لكلفة المعلوفة، وحاجة المالكين إلى العوامل، فهي كثيابهم وعبيدهم وإمائهم وأمتعتهم.

ثم قسم الزروع والثمار إلى قسمين: قسم يجري مجرى السائمة من بهيمة الأنعام في

<<  <  ج: ص:  >  >>