في الخيل والرقيق ما دامت للقنية، وإن كان الاحتمال الأول أقوى؛ لأجل قول السائب: فيدفع صدقتها من أثمانها، مما يشير إلى أنه كان يتجر بها، والله أعلم.
• وروى إسماعيل بن أبي خالد، عن شبيل بن عوف - قال: وكان أدرك الجاهلية -، قال: أمر عمر بن الخطاب الناس بالصدقة، فقال الناس: يا أمير المؤمنين خيل لنا ورقيق؛ افرض علينا عشرة عشرة، فقال: أما أنا فلا أفرض ذلك عليكم.
وهذا صحيح عن عمر [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٥٦٢)]، وهذا دليل على كون عمر لم يفرض عليهم صدقة الخيل والرقيق، وإنما كانت تبرعاً منهم، وأنه قد رزقهم عليها، مما يدل على أنها لم تكن صدقة واجبة، والله أعلم.
ويقال في ذلك كله: إنما أخذ عمر الصدقة في الخيل والرقيق على سبيل التبرع من أصحابها، لا أنه أوجبها عليهم، والمعروف أن أهل المغازي والثغور، هم الذين طلبوا من عمر أن يأخذ منهم صدقاتهم في الخيل والرقيق والكراع، وقالوا: خذ من أموالنا صدقةً تطهرنا بها، وتكون لنا زكاة؛ لا أن عمر هو الذي ألزمهم بها، بل إنه قد امتنع من ذلك، وعلله بقوله:«ما فعله صاحباي قبلي، ولا أفعله حتى أستشير»، فدل على أنه كان تبرعاً منهم، لم يوجبه عليهم، وصرح بذلك علي بن أبي طالب، حين طالبه بألا يجعلها عليهم جزية راتبة، يؤخذون بها من بعده، وعلى هذا إجماع الصحابة والتابعين بأنه ليس في الخيل والرقيق صدقة؛ إلا أن يتجر بها؛ كما تحتمل بعض الآثار المروية عنه في صدقة الخيل؛ أنها كانت للتجارة، كما في أثر السائب بن يزيد.
وعلى هذا فالذي فرضه عمر بناءً على طلب من المسلمين: كان صدقة تبرع، ولم تكن من الصدقات الواجبة، وأما فعل والد السائب بن يزيد فيحتمل الأمرين معاً، وأما أثر حماس: فهو صريح في زكاة التجارة، وأثر عبد الرحمن بن عبد القاري: ظاهر فيها، والله أعلم.
قال ابن عبد البر في الاستذكار (٣/ ٢٣٧): «ففي إباء أبي عبيدة وعمر في الأخذ من أهل الشام ما ذكروا عن رقيقهم وخيلهم؛ دلالة واضحة أنه لا زكاة في الرقيق ولا في الخيل، ولو كانت الزكاة واجبة في ذلك: ما امتنعا من أخذ ما أوجب الله عليهم أخذه لأهله ووضعه فيهم، فلما ألحوا على أبي عبيدة في ذلك وألح أبو عبيدة على عمر؛ استشار الناس في أمرها، فرأى أن أخذها منهم عمل صالح له ولهم؛ على ما شرط أن يردها عليهم؛ يعني: على فقرائهم».
• وعلى هذا إجماع الصحابة والتابعين بأنه ليس في الخيل والرقيق صدقة؛ حكاه جماعة، منهم البيهقي في الخلافيات (٤/ ٣٣٤).
• وقد صح جملة من الآثار الدالة على شيوع القول بعدم أخذ الزكاة من الخيل والرقيق، بل هو إجماع الصحابة والتابعين، فمنها مثلا:
• ما رواه مالك، عن عبد الله بن دينار؛ أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين؟ فقال: وهل في الخيل من صدقة؟.