للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

شارحاً حديث النعمان: قوله: «فارجعه»، يدل على وقوع القبض له متقدماً، وفيه: بيان جواز رجوع الوالد فيما ينحل ولده من نحل وعطية، وهو مستثنى من جملة نهيه عن العودة في الهبة، ومن قوله: «العائد في هبته كالعائد في قيئه»، وحكم الولد في هذا خلاف حكم الأجانب، وقد قال : «أنت ومالك لأبيك»، وروى ابن عمر، وابن عباس، عن النبي ، قال: «لا يحل للرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة، فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده»، وانظر: كلامه أيضاً في المعالم (٣/ ١٧٠) [وقال البغوي في شرح السُّنَّة (٨/ ٢٩٩) في شرحه لحديث النعمان: وفي الحديث دليل على أن الوالد إذا وهب لولده شيئاً وسلم إليه، جاز له الرجوع فيه، وكذلك الأمهات والأجداد، فأما غير الوالدين فلا رجوع لهم فيما وهبوا وسلموا، لقوله : «العائد في هبته كالعائد في قيئه»، وهو قول الشافعي، غير أن الأولى ألا يرجع إلا عن غرض ومقصود، مثل أن يريد التسوية بين الأولاد، أو إبداله بما هو أنفع للولد، وذهب قوم إلى أنه لا رجوع له فيما وهب لولده، ولا لأحد من ذوي محارمه، وله أن يرجع فيما وهب للأجانب، ما لم يثب عليه، يروى ذلك عن أحمد، وهو قول الثوري، وأصحاب الرأي، وجوز مالك الرجوع في الهبة على الإطلاق، إذا لم يكن الموهوب قد تغير عن حاله، وقالوا جميعاً: لا يرجع أحد الزوجين فيما وهب لصاحبه.

قال الزهري فيمن قال لامرأته: هبي لي بعض صداقك أو كله، ثم لم يمكث إلا يسيراً حتى طلقها فرجعت فيه؟ قال: يرد إليها إن كان خلبها، وإن كانت أعطته عن طيب نفس لا خديعة فيه جاز، قال الله : ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ﴾ [النساء: ٤]] [واحتج ابن قدامة في المغني (٦/ ٥٥) بحديث عمرو بن شعيب هذا ثم قال: «وقد دل حديث النعمان بن بشير على الرجوع في الصدقة؛ لقوله: تصدق علي أبي بصدقة»].

قلت: والكلام هنا في هذا الباب عن استثناء الوالد مع ولده، هو من باب الاستطراد لتعلقه بأحاديث الباب، وليس هذا الموضع موضع بيان مسائل الهبات وأحكامها، ولورود أحاديث أخرى في الباب ليس هذا موضع ذكرها، وإنما ذكرت طرق حديث ابن عباس هنا لتعلقه بحديث الباب في النهي عن شراء الصدقة، وأن حديث ابن عباس داخل في عموم الأحاديث المانعة من شراء الصدقة، ففي لفظ حديث الأوزاعي، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن ابن المسيب، عن ابن عباس أن النبي قال: «مثل الذي يرجع في صدقته، كمثل الكلب يقيء، ثم يعود في قيئه؛ فيأكله»، وفي لفظ حديث بكير بن عبد الله ابن الأشج؛ أنه سمع سعيد بن المسيب، يقول: سمعت ابن عباس، يقول: سمعت رسول الله ، يقول: «إنما مثل الذي يتصدق بصدقة، ثم يعود في صدقته، كمثل الكلب يقيء، ثم يأكل قيئه» [وكلاهما عند مسلم].

• نرجع مرة أخرى لحديث عمرو بن شعيب؛ فقد اختلف عليه في هذا الحديث:

• فرواه حسين بن ذكوان المعلم [ثقة، مكثر عن عمرو بن شعيب]، عن عمرو بن

<<  <  ج: ص:  >  >>