للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والدار الآخرة، لم يغيب شيئا من ماله، وأقام الصلاة، ثم أدى الزكاة؛ فتعدى عليه الحق، فأخذ سلاحه فقاتل فقتل، فهو شهيد [وهو حديث حسن، تقدم تحت الحديث رقم (١٥٨٥)]

فيقال: إرضاء المصدق لا يلزم منه وقوع الظلم منه في حقيقة الأمر، فالأعراب أشد ضنا بالمال وبخلا به لجهلهم بأحكام الشرع، وتعلقهم الشديد بالدنيا، فقد يرى الأعرابي أن يعطي المصدق أردأ ما عنده، كالهرمة والمعيبة ونحوها، لكن المصدق مأمور أن يأخذ من وسط المال، فيرى الأعرابي ذلك ظلما له، واعتداء عليه، وليس هو بظلم في حقيقة الأمر، لكنه ظلم في زعم وظن الأعرابي.

وقد ثبت في أحاديث الصدقات النهي عن أخذ الهرمة وذات العيب؛ إلا أن يشاء المصدق، جاء ذلك من حديث أنس عن أبي بكر، ومن حديث ابن عمر، وكتاب عمر، وحديث علي، وكتاب عمرو بن حزم، والله أعلم.

قال البيهقي في السنن (٤/ ١٣٧): «قال الشافعي: يعني - والله أعلم - أن يوفوه طائعين ولا يلووه، لا أن يعطوه من أموالهم ما ليس عليهم، فبهذا يأمرهم ويأمر المصدق، وهذا الذي قاله الشافعي محتمل؛ لولا ما في رواية عبد الرحمن بن هلال العبسي من الزيادة».

قلت: قول الشافعي هو الصواب، والزيادة المشكلة شاذة، وسيأتي بيانه في كلام القرطبي.

وقال ابن العربي في العارضة (٣/ ١١٩): «المصدق طالب بحق، فإذا أعطي حقه رضي، وإذا منع من حقه شيئا سخط، فرضاه أن يعطى حقه، فإن طلب زيادة فليس له رضى يعتبر، ولا يلتفت إليه».

وقال القرطبي في المفهم (٣/ ١٣٣): «ولا شك أن أهل البادية أهل جفاء وجهل غالبا، ولذلك قال تعالى: ﴿الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٩٧]، ولذلك نسبوا الظلم إلى مصدقي النبي ، وإلى فضلاء أصحابه، فإنه ما كان يستعمل على ذلك إلا أعلم الناس وأعدلهم، لكن لجهل الأعراب بحدود الله ظنوا: أن ذلك القدر الذي كانوا يأخذونه منهم هو ظلم، فقال لهم : «أرضوا مصدقيكم وإن ظلمتم»؛ أي: على زعمكم وظنكم، لا أن النبي سوغ للعمال الظلم، وأمر الأعراب بالانقياد لذلك؛ لأنه كان يكون ذلك منه إقرارا على منكر، وإغراء بالظلم، وذلك محال قطعا».

وإنما سلك النبي مع هؤلاء هذا الطريق، دون أن يبين لهم أن ذلك الذي أخذه المصدقون ليس ظلما؛ لأن هذا يحتاج إلى تطويل وتقرير، وقد لا يفهم ذلك أكثرهم.

وأيضا فليحصل منهم الانقياد الكلي بالتسليم وترك الاعتراض؛ الذي لا يحصل الإيمان إلا بعد حصوله، كما قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>