بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥]، والله تعالى أعلم.
قلت: وفيه احتمال آخر، وهو أن النبي ﷺ لم يلتفت إلى نسبة الظلم إلى مصدقيه، ولم يقر الأعراب على دعواهم، ولو على سبيل التنزل مع الخصم، بل أعاد أمره بإرضاء المصدقين، لكونهم لا يظلمون ولا يطلبون منهم فوق ما أمروا به، فهم محل ثقة وأمانة وعدالة؛ فلم يقرهم على دعواهم، والله أعلم.
وقال ابن الأثير في الشافي (٣/ ١٢١): «وهذا باب حث أرباب المال على إعطاء الصدقة وافية وافرة جيدة، وعن رضى من أنفسهم وإيثار، فإن المصدق إذا صدر وهو راض عنهم فما يكون إلا بعد استيفائه ما عندهم من الزكاة، ورضاه مندوب إليه إن أردنا به أمراً زائداً على الواجب عليهم، وإن أردنا به الحد الواجب عليهم - وهو الصحيح، فإن الرضا متعلق بأخذ القدر الواجب من غير زيادة ولا اختيار الجيد، وكما أنه قد ندب المصدق إلى ترك الإجحاف بأرباب المال؛ في اختيار أموالهم وأخذ نفائسها تحصيلاً لرضاهم، فكذلك أمر أرباب المال برضى الساعي وإيصال حقه إليه، ومبنى الزكاة على التسهيل والتسامح، أما من جانب الساعي فللتخفيف عن أرباب المال، وأما من جانب أرباب المال فيكون طهرة لربها، فإذا لم يكن قلبه بها طيباً، ولا نفسه بها سمحة سهلة، ولا ببذل الجيد فلم يحصل ولا انتفى عنه الوصف الذي شرعت الزكاة له، وهو البخل والشح من جانب رب المال، والنظر في حق الفقير من جانب الشارع صلوات الله عليه وسلامه».