رجلان على بعير - قال: حسبت أن أحدهما من الأنصار، فقالا: نحن رسل رسول الله ﷺ في الصدقة، فقلت: وما الصدقة؟ قالا: شاة في غنمك، فقلت لهما: إلى لبون كريمة، فقالا: إنا لم نؤمر بهذه، ثم جئت بماخض، فقالا: إنا لم نؤمر بهذه، إنا لم نؤمر بحبلى، ولا ذات لبن، قال: فقمت إلى عناق [أنثى]: إما ثنية، وإما جذعة [ناصة، والناصة: الشخيصة]، فأخذاها، فوضعاها بينهما، ودعوا لي بالبركة، ومضيا.
وهذا إسناد لا بأس به.
ج - عبد الحميد بن رافع، عن أبي مرارة، عن ابن سعر الديلي؛ إما عن نفسه، وإما عن أبيه [وفي رواية بالجزم، وهي الأشبه: أخبرنيه ابن سعر، عن أبيه]، قال: كنا في ناحية مكة في غنم لي، فجاء رجل فسلم وأنا بين ظهراني غنمي، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا رسول رسول الله ﷺ، فقال: مرحباً برسول رسول الله ﷺ وأهلاً، فقلت: ما تريد؟
فقال: أريد صدقة غنمك، فجئته بشاة ماخض، خير ما وجدت، فقال: ليس حقنا في هذه، فقلت: ففيم حقك؟ فقال: في الثنية والجذعة.
وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات.
قلت: وبمجموع هذه الأسانيد تطمئن النفس إلى ثبوت هذا الحديث، الذي مخرجه من أهل مكة، وقد رواه ثقات المكيين وغيرهم، فهو حديث عرف في بلده وخارجها، واحتج به أبو داود والنسائي، وليس فيه ما ينكر، وقد نُصَّ فيه على فريضة الغنم: جذعة أو ثنية، وألا يؤخذ من رب المال خير ماله، ولا الشافع الحامل، إنما يؤخذ من وسط ماله، وسوف يأتي لذلك مزيد بيان فيما ثبت من قصة عمر مع مصدقه، وفي حديث ابن عباس، والله أعلم.
فهو حديث حسن.
• قال الخطابي في المعالم (٢/٣٦): «المخض: اللبن، والشافع: الحامل، وسميت شافعاً؛ لأن ولدها قد شفعها فصارا زوجاً، والمعتاط من الغنم: هي التي قد امتنعت عن الحمل لسمنها وكثرة شحمها، يقال: اعتاطت الشاة، وشاة معتاط، ويقال: ناقة عائط، ونوق عيط».
وقال ابن قتيبة في غريب الحديث (٢/ ٥١٠): قوله: لجبت؛ أي: خفَّ لبنها وقل. يقال: شاة لجبة ولجبات ولجاب. قال أبو زيد: اللجبة من المعز خاصة، ومثلها من الضأن: الجدود. وقال الأصمعي: إذا أتى على الشاة بعد نتاجها أربعة أشهر فخفَّ لبنها وقل؛ فهي حينئذ: لجبة [وانظر: تهذيب اللغة (١١/ ٦٨)، غريب الحديث للخطابي (١/ ٣٩١ و ٤٢٧)، الصحاح (١/ ٢١٨)، النهاية (٤/ ٢٣٢)، اللسان (١/ ٧٣٥)].
• قال الشافعي بعد حديث عمر الآتي فيما يعتد به على أرباب الأموال، ولا يؤخذ منهم في الصدقة:«وبهذا نقول أن تؤخذ الجذعة والثنية»، إلى أن قال:«فما أجزأ أضحية أجزأ فيما أطلق اسم الشاة».