أمتعتهم؛ فلم يجعل في ذلك زكاة؛ لكلفة المعلوفة، وحاجة المالكين إلى العوامل، فهي كثيابهم وعبيدهم وإمائهم وأمتعتهم.
ثم قسم الزروع والثمار إلى قسمين قسم يجري مجرى السائمة من بهيمة الأنعام، في سقيه من ماء السماء بغير كلفة ولا مشقة، فأوجب فيه العشر، وقسم يسقى بكلفة ومشقة، ولكن كلفته دون كلفة المعلوفة بكثير، إذ تلك تحتاج إلى العلف كل يوم، فكان مرتبة بين مرتبة السائمة والمعلوفة، فلم يوجب فيه زكاة ما شرب بنفسه، ولم يسقط زكاته جملة واحدة، فأوجب فيه نصف العشر.
ثم قسم الذهب والفضة إلى قسمين: أحدهما ما هو معد للثمنية والتجارة به والتكسب، ففيه الزكاة كالنقدين والسبائك ونحوها، وإلى ما هو معد للانتفاع دون الربح والتجارة، كحلية المرأة، وآلات السلاح التي يجوز استعمال، مثلها، فلا زكاة فيه.
ثم قسم العروض إلى قسمين قسم أعد للتجارة ففيه الزكاة، وقسم أعد للقنية والاستعمال، فهو مصروف عن جهة النماء فلا زكاة فيه.
ثم لما كان حصول النماء والربح بالتجارة، من أشق الأشياء وأكثر معاناة وعملاً: خففها بأن جعل فيها ربع العشر، ولما كان الربح والنماء بالزروع والثمار التي تسقى بالكلفة، أقل كلفة والعمل أيسر ولا يكون في كل السنة: جعله ضعفه، وهو نصف العشر، ولما كان التعب والعمل فيما يشرب بنفسه أقل، والمؤونة أيسر: جعله ضعف ذلك، وهو العشر، واكتفى فيه بزكاة عامة خاصة؛ فلو أقام عنده بعد ذلك عدة أحوال لغير التجارة لم يكن فيه زكاة؛ لأنه قد انقطع نماؤه وزيادته، بخلاف الماشية، وبخلاف ما لو أعد للتجارة؛ فإنه عرضة للنماء.
ثم لما كان الركاز مالاً مجموعاً محصلاً، وكلفة تحصيله أقل من غيره، ولم يحتج إلى أكثر من استخراجه؛ كان الواجب فيه ضعف ذلك، وهو الخمس.
فانظر إلى تناسب هذه الشريعة الكاملة التي بهر العقول حسنها وكمالها، وشهدت الفطر بحكمتها، وأنه لم يطرق العالم شريعة أفضل منها».
• ومِن شواهد جملة:«ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول»:
أ - حديث عائشة:
يرويه أبو بدر شجاع بن الوليد [ثقة]، وأبو كدينة يحيى بن المهلب [كوفي ثقة. التهذيب (٤/ ٣٩٣)، سؤالات أبي داود (٤١٢)] [وعنه: محمد بن الصلت بن الحجاج الأسدي، أبو جعفر الكوفي الأصم، وهو: ثقة]، وهريم بن سفيان [البجلي الكوفي: ثقة]: ثنا حارثة بن محمد، عن عمرة، عن عائشة ﵂، قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول».
أخرجه ابن ماجه (١٧٩٢)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في الأموال (١١٣١)، وابن زنجويه في الأموال (١٦٣٨)، والبزار (١٨/ ٢٥٩/ ٣٠٤)، وأبو جعفر ابن البختري في