عن الليث بن سعد، قال: هذا كتاب الصدقة: «في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم، في كل خمس شاة»، ثم ذكر مثل ذلك أيضا، وقال: قال الليث: حدثني نافع أن هذه نسخة كتاب عمر بن الخطاب، وكانت مقرونة مع وصيته.
وقال الليث: وأخبرني نافع أنه عرضها على عبد الله بن عمر مرات.
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في الأموال (٩٤١ و ١٠٥٧ و ١١٠٩ و ١١١٠)، وابن زنجويه في الأموال (١٣٩٧ و ١٥٠٤ و ١٦٠٦).
وهذا حديث صحيح، له حكم الرفع.
هكذا رواه عن نافع عن ابن عمر متصلا: ثلاثة من ثقات أصحابه؛ عبيد الله بن عمر العمري، وموسى بن عقبة، والليث بن سعد، وأثبتهم فيه: عبيد الله، ورواية الليث قد بينت أن نافعا كان يرويه مرة من كتاب عمر مرسلا، ومرة يسنده عن ابن عمر، وأنه قد عرض هذا الكتاب على ابن عمر، مرات، والمقصود من هذا البيان أنه لا تعارض هنا بين من رواه عن نافع مرسلا من كتاب عمر، وبين من وصله عن نافع عن ابن عمر؛ لأن نافعا هو الذي كان يصنع ذلك عمدا، لكي يبين أنه قد اطلع على كتاب عمر، وأن الكتاب هنا في إثبات الحقوق أثبت من مجرد الإسناد من حفظ الصدور، والله أعلم.
وهذا يؤكد كون سالم بن عبد الله إنما أخذ هذا الكتاب عن ابن عمر، وأن رواية سفيان بن حسين وسليمان بن كثير عن الزهري عن سالم عن أبيه: رواية محفوظة، والله أعلم.
ويلاحظ هنا تشابه تصرف الزهري، مع تصرف الليث بن سعد، في رواية كتاب الصدقات، حيث بدأ الزهري والليث بذكر الكتاب بغير إسناد، وبيان أن هذا هو كتاب الصدقات، ثم عرجا بعد ذلك على ذكر الإسناد، فبين الزهري أنه قد أقرأه إياه سالم بن عبد الله، وبين الليث أنه تحمله عن نافع، وأن نافعا أخبره بأن هذا هو كتاب عمر في الصدقات، ثم بين بعد ذلك أن نافعا أخبره أنه قرأه على ابن عمر مرات، فكان تصرف الزهري والليث موافقا لتصرف نافع؛ حيث بدأ بالكتاب قبل الإسناد، فظهر بذلك المراد، وهو أن الزهري ونافعا كانا يقتصران أحيانا على ذكر الكتاب وحده دون ذكر الإسناد، فظن البعض أن الحديث مرسل، وليس كذلك، والله الموفق للصواب.
وهذا هو نفس ما وقع لحماد بن سلمة، فكان أحيانا يكتفي بذكر الكتاب الذي أخذه من ثمامة، وأحيانا يسنده عن ثمامة عن أنس، فظن البعض أن حمادا قد أرسله، ورجح المرسل على الموصول، وليس الأمر كذلك، والله الموفق للصواب.
وسيأتي بيان أن مالكا لم يسند حديث الصدقات، وإنما اكتفى ببيان أنه قرأ كتاب عمر في الصدقات، والذي يقوم مقام الإسناد، فاتفق بذلك تصرف جمع من الأئمة مع اختلاف أمصارهم بين المدينة والعراق ومصر، على الاحتجاج بكتاب الصدقات والعمل بما فيه، فضلا عن عمل الخلفاء بهذا الكتاب، فكان إجماعا من المسلمين على العمل به؛