وقال الماوردي في الحاوي الكبير (٣/ ٢٧٢): «واستدل من أسقط الزكاة منه، وهو أظهر المذهبين وأصح القولين، … فذكر حديثين، ثم قال: ولأنه جنس مال تجب زكاته بشرطين، فوجب أن يتنوع نوعين: أحدهما: تجب فيه، والثاني: لا تجب فيه، كالمواشي التي تجب الزكاة في سائمتها، وتسقط في المعلوفة منها، ولأنه مبتذل في مباح، فوجب أن تسقط زكاته كالأثاث والقماش، ولأنه معدول به عن النماء السائغ إلى استعمال سائغ، فوجب أن تسقط زكاته كالإبل العوامل، ولأنه معد للقنية كالعقار، ولأنه حلي مباح كاللؤلؤ، … »، إلى أن قال:«وأما قياسهم على الدراهم والدنانير؛ فالمعنى فيها إرصادهما للنماء، فلذلك وجبت زكاتهما، والحلي غير مرصد للنماء؛ فلم تجب زكاته، ألا ترى أن عروض التجارة لما أرصدت للنماء وجبت زكاتها، ولو أعدت للقنية ولم ترصد للنماء ما وجبت زكاتها، وكذا الحلي، والله أعلم» [وانظر: البيان للعمراني (٣/ ٢٩٧)، وتقويم النظر (٢/ ٦٣)].
وقال البيهقي في المعرفة (٦/ ١٤٣): «فمن ذهب إلى القول الأول؛ زعم أن ذلك كان حين كان التحلي بالذهب حراماً على النساء، فلما أبيح ذلك لهن سقطت منه الزكاة». قلت: أحاديث تحريم الذهب، وأحاديث إباحة الذهب للنساء دون الرجال: تقدم الكلام عن بعضها، ويأتي الكلام عن بقيتها مفصلاً في موضعها من السنن إن شاء الله تعالى في كتاب الخاتم، باب ما جاء في الذهب للنساء، أحاديث رقم (٤٢٣٥ - ٤٢٣٩). وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٣/ ١٥١): «اختلف الفقهاء أهل الفتوى في الأمصار في زكاة الحلي»:
فذهب فقهاء الحجاز؛ مالك والليث، والشافعي إلى: أنه لا زكاة فيه. على أن الشافعي قد روي عنه في بعض أوقاته [قلت: يعني: بمصر، قاله ابن المنذر في الإشراف (٣/٤٥): «ثم وقف عنه بمصر»] قال: أستخير الله في الحلي، وترك الجواب فيه. وخرج أصحابه مسألة زكاة الحلي على قولين:
أحدهما: أن فيه الزكاة؛ على ظاهر قول النبي ﷺ:«ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة»، فدل على أن في الخمس الأواقي وما زاد صدقة، ولم يخص حلياً من غير حلي، وكذلك قوله ﷺ:«في الذهب في أربعين ديناراً»، ولم يخص حلياً من غير حلي.
والآخر: أن الأصل المجتمع عليه في الزكاة: إنما هي في الأموال النامية، والمطلوب فيها الثمن بالتصرف.
ولم يختلف قول مالك وأصحابه في: أنه لا زكاة في الحلي للنساء يلبسنه. وهو قول: ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب - على اختلاف عنه -، والقاسم بن محمد، وعامر الشعبي، ويحيى بن سعيد، وربيعة، وأكثر أهل المدينة. وبه قال: أحمد، وأبو عبيد.