قال أبو عبيد: الحلي الذي يكون زينة ومتاعاً، فهو كالأثاث، وليس كالرقة التي وردت في السُّنَّة يؤخذ ربع العشر منها، والرقة عند العرب: الورق المنقوشة ذات السكة السائرة بين الناس.
وقال أبو حنيفة، والثوري - في رواية -، والأوزاعي، والحسن بن حي: الزكاة واجبة في الذهب والورق … .
وقال الليث: ما كان منه يلبس ويعار: فلا زكاة فيه، وما صنع ليقربه من الصدقة ففيه الصدقة.
«وممن أوجب الزكاة في الحلي: عبد الله بن عباس، وابن مسعود، وعبد الله بن عمر [قلت: المحفوظ عنه: أنه لا زكاة في الحلي]، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن شداد، وميمون بن مهران، ومحمد بن سيرين، ومجاهد، وجابر بن زيد، والزهري، وإبراهيم النخعي، … » [وانظر: الإشراف لابن المنذر (٣/٤٥)].
وقال أبو المظفر السمعاني في الاصطلام في الخلاف بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة (٢/ ١٠٨) بعد أن ضعف أحاديث إيجاب الزكاة في الحلي: «فنصير إلى المعنى، فنقول: مال مصروف عن جهة النماء إلى ابتذال مباح؛ فلم تجب فيه الزكاة».
دليله: مال التجارة إذا جعلها للبذلة.
وتحقيقه: أن نقول: فقد محل الزكاة فلا تجب فيه الزكاة.
والدليل على أنه فقد محل الزكاة: أن محل الزكاة هو المال النامي؛ لأنها واجبة بوصف اليسر، وعلى جهة المواساة، ولا يتحقق هذا الوصف، وهذه الجهة؛ إلا أن يكون المال مالاً نامياً، ولهذا المعنى لا تجب الزكاة فيما دون النصاب، ولهذا يشترط الحول؛ لأن المال إنما يكثر ببلوغه نصاباً، والنماء يطلب في المال الكثير، والحول مشروط لتحقيق النماء.
وإذا ثبت هذا الأصل فنقول:
وصف النماء في الذهب والفضة بالتقلب والتصرف؛ فإن هذه الجهة جهة منمية، مثل التجارة في سائر الأموال، ولما اتخذ الحلي من الذهب والفضة فقد فاتت هذه الجهة؛ لأنه جعله ليلبسه ويتحلى به ويتزين به، مثل ثوب يجعله للبسه، وللتجمل به عند الناس، وهذه جهة صحيحة مطلقة شرعاً، مثل اللبس في الثياب، فيفوت بها جهة النماء؛ لأن التقلب والتصرف لا يكون إلا بإخراجه عن يده، واللبس والتحلي لا يكون إلا بإمساكه في يده، فحصلت مضادة ومنافاة بين الجهتين، ولم يتصور اجتماعهما، فإذا تحقق الثاني فات الأول قطعاً، وإذا فات سقطت الزكاة لفوات محلها على ما سبق؛ فهذا الذي قلناه معتمد المسألة، وسنبين كلامهم عليه، والجواب عنه.
ويمكن أن يقال في الابتداء: أن الحلي مشغول بحاجته، والزكاة لا تجب إلا في المال الذي يفضل عن حاجته، مثل ثياب اللبس، والعبيد للخدمة، والدواب للركوب،