بجلود الميتة، وإذا قامت القرائن على وهمه في رواية بعينها ردُّوا حديثه [مثل حديثه عن عطاء بن أبي رباح]، وأما غير النقاد الكبار، وطائفة من المتأخرين، فإنهم يطردون التوثيق في الرجل حتى يقبلوا حديثه كله، أو يطردون التجريح الوارد في الرجل حتى يردوا حديثه كله، فحديث الثقة عندهم مقبول لثقته؛ بغض النظر عن قرائن الترجيح والقبول والرد، واحتمال التفرد وعدمه، وحديث كثير الوهم والمدلس والمنقطع ضعيف عندهم.
وفي هذا المعنى يقول ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود (٥/ ٣٢٤) رداً على طريقة ابن القطان الفاسي في قبول أفراد الثقات مطلقاً [كمثل فعله هنا]: «وأما تصحيحه حديث يحيى بن سليم هذا، فلا إنكار عليه فيه؛ فهذه طريقة أئمة الحديث، العالمين بعلله؛ يصححون حديث الرجل، ثم يضعفونه بعينه في حديث آخر إذا انفرد أو خالف الثقات.
ومن تأمل هذا وتتبعه رأى منه الكثير؛ فإنهم يصححون حديثه لمتابعة غيره له، أو لأنه معروف الرواية صحيح الحديث عن شيخ بعينه ضعيفها في غيره، وفي مثل هذا يعرض الغلط لطائفتين من الناس:
طائفة: تجد الرجل قد خرج حديثه في الصحيح، وقد احتج به فيه، فحيث وجدوه في حديث، قالوا: هذا على شرط الصحيح، وأصحاب الصحيح يكونون قد انتقوا حديثه، ورووا له ما تابعه فيه الثقات، ولم يكن معلولاً، ويتركون من حديثه المعلول، وما شذ فيه وانفرد به عن الناس وخالف فيه الثقات، أو رواه عن غير معروف بالرواية عنه، ولا سيما إذا لم يجدوا حديثه عند أصحابه المختصين به، فإن لهم في هذا نظراً واعتباراً اختصوا به عمن لم يشاركهم فيه، فلا يلزم حيث وجد حديث مثل هذا أن يكون صحيحاً، ولهذا كثيراً ما يعلل البخاري ونظراؤه حديث الثقة بأنه لا يتابع عليه.
والطائفة الثانية: يرون الرجل قد تكلم فيه بسبب حديث رواه، وضعف من أجله، فيجعلون هذا سبباً لتضعيف حديثه أين وجدوه، فيضعفون من حديثه ما يجزم أهل المعرفة بالحديث بصحته.
وهذا باب قد اشتبه كثيراً على غير النقاد.
والصواب ما اعتمده أئمة الحديث ونقاده من تنقية حديث الرجل وتصحيحه والاحتجاج به في موضع، وتضعيفه وترك حديثه في موضع آخر، … ».
إلى أن قال:«وإنما النقد الخفي إذا كان شيخه واحداً؛ كحديث العلاء بن عبد الرحمن مثلاً عن أبيه عن أبي هريرة، فإن مسلماً يصحح هذا الإسناد ويحتج بالعلاء، وأعرض عن حديثه في الصيام بعد انتصاف شعبان، وهو من روايته على شرطه في الظاهر، ولم ير إخراجه لكلام الناس في هذا الحديث وتفرده وحده به، وهذا أيضاً كثير يعرفه من له عناية بعلم النقد ومعرفة العلل».
وهذا إمام الحديث البخاري يعلل حديث الرجل بأنه لا يتابع عليه [يعني: في حديث]